الأولوية لقضية النيل - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأولوية لقضية النيل

نشر فى : الأربعاء 2 أبريل 2014 - 6:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 أبريل 2014 - 6:05 ص

لولا الأحداث الكثيرة التى تمر بها مصر فى الفترة الراهنة لكان موضوع سد النهضة الذى تقيمه إثيوبيا على النيل هو الشاغل الرئيسى لمصر.

فليس بين كل ما تعانيه مصر من مشكلات أو يواجهها من قضايا ومسائل، ما هو أخطر وأدق وأشد وطأة على مصالح مصر من احتمال يمكن أن ينال من تدفق مياه النيل عليها بمعدل طبيعى وثابت ومضمون. حتى مشكلات السياسة الخارجية المتمثلة فى مواقف قطر أو المتمثلة فى تعقيدات العلاقات مع الولايات المتحدة أو عكسها المتمثل فى تجديد مضمون وجوهر العلاقات مع روسيا الاتحادية، يعد كل منها أخف وطأة او أقل أهمية أو خطورة من المعضلة التى تواجهها مصر الآن فى العلاقات مع اثيوبيا نتيجة لانطلاق الدولة الإثيوبية بمساعدات خارجية فى إقامة ما أسموه سد النهضة على مجرى النيل.

•••

إن بإمكاننا أن نعتبر المشكلة المتمثلة فى هذا المشروع على نهر النيل فى اثيوبيا، بحثا عن حل يصون حقوق الطرفين المصرى والاثيوبى فى مياه نهر النيل أخطر من أى محادثات ثنائية دخلتها مصر منذ المحادثات الثنائية مع بريطانيا بهدف تحقيق الجلاء النهائى والتام عن مصر. وليس هناك مصرى يعيش على الأرض المصرية لا يدرك مدى أهمية مياه النيل لحياته وتطور هذه الحياة ونموها. ليس هناك مصرى واحد لا يعى أهمية النيل لحياته واستمرارها ولتطور الحياة فى هذا البلد الذى يرتبط بالنيل كما لا يرتبط أى بلد بالنهر الذى يستمد منه مياه الشرب والزراعة والتطور الحياتى والإنتاجى. إذ لا يمكن مقارنة دور النيل فى حياة شعب مصر بدور أى مصدر للحياة آخر على وجه الأرض.

ولقد وصلت هذه الحقيقة فى حياة الإنسان المصرى إلى مرتبة المسلمات منذ آلاف السنين. ووصل الأمر بالإنسان المصرى إلى حد تقديس النيل فى الأزمنة القديمة، ولا نزال نعتبر أن الإنسان المصرى فى عهود الفراعنة كان يقدم تضحيات بشرية للنيل اعترافا بفضل هذا النهر الخالد على حياة المصريين وتقدمهم العلمى، بما فى ذلك تقدمهم الهندسى الذى تمثل فى الأهرامات التى حرص الإنسان المصرى على بنائها قريبا من مجرى النيل تأكيدا لهذه العلاقة الحيوية. والآن فإن المشكلة التى يمثلها مشروع سد النهضة الاثيوبى على النيل هى دون أى مبالغة أخطر وأهم التحديات التى واجهت مصر منذ أن شيّدت دولتها على مجرى النيل. ولابد هنا أن نذكر أن مصر عندما وجدت ضرورة قصوى فى بناء السد العالى على النيل فى سنوات الستينيات الأولى من القرن الماضى لم تتخذ قرارها ببنائه بصفة انفرادية إنما كان السد وهو لا يزال مشروعا نظريا موضوعا لمحادثات امتدت من السودان إلى اثيوبيا وأوغندا والصومال. وعندما تبين من هذه المحادثات أن السد العالى لا يشكل أى صعوبة أو مشكلة لأى من هذه البلدان بدأت مصر فى بناء هذا المشروع العظيم وأتمته على خير ما يرام دون أن يشكل معضلة من أى من دول حوض النيل.

•••

والآن فإن مصر تجد نفسها مضطرة لأن تبرهن لاثيوبيا بأن سد النهضة يشكل معضلة لمصر تتعلق بنصيبها فى مياه النيل. ولكن اثيوبيا لا تتخذ موقفا شبيها بموقف مصر قبيل البدء فى بناء السد العالى. وسيتعين عليها أن تبحث بكل جدية واهتمام تحفظات مصر على مشروع سد النهضة والكيفية التى يمكن بها تفادى وقوع الأذى بحياة المصريين نتيجة لذلك. ولقد تبين نتيجة للأبحاث المصرية أن هناك سبلا ممكنة وليست مستحيلة للتوصل الى اتفاق ثلاثى بين مصر واثيوبيا والسودان. ولابد لمثل هذا الاتفاق أن يلبى متطلبات التنمية الإثيوبية دون أن يخل بالأمن المائى لمصر، بل ويضمن السيادة الوطنية للدول الثلاث. وقد تبين أن مثل هذا الاتفاق لابد أن يتضمن اكتفاء حكومة اثيوبيا بتنفيذ المرحة الأولى من سد النهضة لتخزين 14,5 مليار متر مكعب لإنتاج طاقة كهربائية / مائية تساوى 1200 ميجاوات لتوفير احتياجات اثيوبيا من الطاقة، دون المساس باحتياجات مصر والسودان من مياه النيل.

•••

إن مثل هذا الاتفاق هو وحده الذى يضمن تجنب أية آثار سلبية للسد. فهل هناك ما يضمن اقناع اثيوبيا باللجوء لهذه الصيغة؟ أم أن هناك أطرافا تجد لها مصلحة فى تثبيت موقف اثيوبيا عند منطلقاته الأولى، خاصة وأن اثيوبيا بدأت بالفعل العمل فى بناء السد وقطعت شوطا كبيرا فيه؟ إن نجاح المرحلة المقبلة من المحادثات الثلاثية لا يزال موضوع نقاش. أين ستقف الولايات المتحدة؟ غير واضح. أين ستقف أطراف مثل قطر واموالها؟ أين ستقف الأمم المتحدة فى مجموعها اذا طرح الموضوع عليها؟ لا يملك أحد إجابات عن هذه الاسئلة وكثير غيرها من الآن. والنقطة الإيجابية الوحيدة التى يمكن البناء عليها تتعلق بمواقف الدول الثلاث المذكورة.

ربما سيكون هذا الموضوع أهم اختبار لرئيس مصر القادم، أى بعد شهور قليلة. وليس هناك من مبرر لإبعاد قضية النيل عن مركز المقدمة فى المشكلات الحادة التى تواجهها وستواجهها مصر.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات