الصين تستعد لمرحلة جديدة باستعراض للقوة - جميل مطر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصين تستعد لمرحلة جديدة باستعراض للقوة

نشر فى : الأربعاء 2 أغسطس 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 أغسطس 2017 - 9:15 م
كنت حتى أسابيع قليلة مضت أحد المراقبين الذين لم يتوقعوا أن يستقر قرار القيادة الصينية على الكشف عن بعض أحدث الأسلحة المتقدمة فى عرض مبهر يقام بمناسبة العيد التسعين للجيش الصينى. غلب الاعتقاد عندى وعند آخرين على أن الصين سوف تستمر لفترة أخرى تنفذ سياسة تأجيل قرار خروجها إلى العالم وإعلان الاستعداد لتحمل كامل مسئولياتها كدولة عظمى مشاركة فى القيادة الدولية. 
كانت لنا أسبابنا. وجدنا الصين مرتاحة إلى سياسة تأجيل اقتحام مواقع القيادة الدولية اقتناعًا وتواضعًا من جانبها إلى أن شروط مشاركتها فى القيادة الدولية لم تكتمل بعد. ما يزالون فى الصين يعتقدون أن الأمور الداخلية لم تستقر تماما إلى الحد الذى يسمح للقيادة السياسية تطوير أولوياتها والانغماس فى شئون الخارج. يعتقدون أيضا وعن حق أن خبرتهم فى إدارة النزاعات الاقليمية والدولية ما تزال محدودة وقدرتهم على التأثير فى قرارات دول أخرى ما تزال هى الأخرى فى حاجة إلى محكات اختبار عديدة. لا شك أن خبراء فى مراكز البحث لا يكفون عن التذكير بأن الصين اليوم ليست بخبرات إنجلترا التى قادت العالم أو اشتركت فى قيادته بعد أن صار لها مخزون هائل من خبرة التعامل مع ثقافات وزعامات متباينة. 
من ناحية أخرى كانت الصين مستفيدة من تطور الأوضاع فى الغرب ومسارات التجارة الدولية والانحسار النسبى ولكن المتدرج للنفوذ الأمريكى قبل وخلال ولايتى الرئيس باراك أوباما. ارتاحت إلى أن أحدا فى الغرب لم يتوقع خلال فترة منظورة مفاجآت خطيرة فى العلاقات الدولية وفى الأوزان النسبية للدول الكبرى. استفادت أيضا من التزام أوباما وقادة الاتحاد الاوروبى مبادئ حرية التجارة.
من ناحية ثالثة كان قادة الصين الفخورون بما حققوه على أصعدة الثورات التكنولوجية والانتاجية والمالية يدركون فى الوقت نفسه ضخامة الحاجة إلى مواصلة التركيز على عمليات تحديث المجتمع الصينى. أدركوا أيضا وإن متأخرين قليلا استحالة عزل الثقافة الصينية عن ثقافات العالم بحجة خصوصيتها البالغة. ولا شك أن بعث مشروع طريق الحرير بتسميته الجديدة مهد طريق اختلاط الثقافة الصينية بالثقافات الأخرى وتشجيع التفاعل بينها، الأمر الذى حققت فيه الهند خلال العقدين الأخيرين بتطويرها ممارسات وأفكار لتصبح مصدر قوة ناعمة ومورد دخل معتبر للبلاد.
***
فجأة وبدون مقدمات إعلامية وسياسية معتادة فى الصين تم الإعلان عن نية الاحتفال بالعيد التسعين لجيش التحرير الصينى بإقامة عرض عسكرى، وكان عرضا مبهرا. كذلك كانت التحليلات التى تعرضت لهذا الحدث المهم والتى ترجع أهميته إلى أن ادخال الجيش فى مسيرة دخول الصين ساحة التوازن الدولى كان قرارا مؤجلا لحين استكمال شروط أخرى عديدة ولم تكتمل. كذلك يصعب إغفال موقع جيش التحرير الصينى فى منظومة الحكم فى البلاد عند اتخاذ قرار على هذه الدرجة من الأهمية. من الجائز جدا أن تكون المبادرة قد جاءت من جانب الجناح العسكرى فى الحكم لاعتبارات استراتيجية قدرها القادة العسكريون، جائز أيضا وشائع أن الرئيس «تشى» بنفسه كان وراء القرار بهدف تمتين وتمكين قاعدة التأييد له خلال اجتماع الحزب بعد اسابيع.
***
نحن أيضا أمام احتمالات أخرى تبرر إصدار قرار على هذا المستوى يحمل رسالة إلى جميع القوى الكبرى عن نية الصين الكشف عن جانب مهم من جوانب قوتها الكلية لأول مرة على امتداد ثلاثة أرباع القرن. أميل إلى تفضيل احتمالات، أو فلنقل اجتهادات، بعينها. أعتقد أن قادة الصين، ككثيرين غيرهم من قادة العالم صاروا مقتنعين بأن وجود الرئيس ترامب على رأس الحكم فى واشنطن يتسبب فى أضرار لدول عديدة وليس فقط للولايات المتحدة. المسألة لا تتعلق فقط بعدد من قناعاته مثل موقفه من حرية التجارة، قدس أقداس العولمة وشريان الرخاء للصين، ولكن تتعلق أيضا بسلوكياته هو وعائلته وإدارته وبالفوضى الناشبة فى البيت الأبيض. جائز جدا أن يكون قادة الحزب فى الصين اختاروا ألا ينتظروا أطول مما انتظروا وليشرعوا فى انتزاع أو تسلم مكانا فى موقع القيادة الدولية قبل أن تزداد أوضاع القيادة الدولية تدهورا. 
جائز أيضا أن تكون الصين قد قررت «اللعب على المكشوف وبالواقعية المطلوبة». حان أوان أن تحصل الصين علنا على مقابل لما تقدمه للدول من مزايا محمولة على طريق الحرير. هى الآن تطالب اليونان بثمن لإنقاذها من أزمة الديون الخارجية، طالبت وحصلت على نصيب فى ملكية تسهيلات ميناء بيريه، المصب المثالى لتدفقات حمولة طريق الحرير. لو صح هذا التوجه لصارت القوة العسكرية كمكون أساسى فى توازات المصالح والقوة ضرورة مصاحبة للتوسع فى التجارة والاستثمارات والنفوذ فى منطقة بحساسية أوروبا.
محتمل جدا أن تكون القيادة العسكرية الصينية قد انتبهت إلى خطورة ما وصلت إليه برامج التسلح فى الهند. راقبت القيادة الصينية بتسامح جهود تسلح العدو الهندى إدراكا منها لحقيقة أن إمكانات الهند لن تسمح لها بتوسع شديد فى برامج التسلح إلا إذا كان الرئيس مودى قد وجد فى الولايات المتحدة نصيرا أوحليفا يدفعه للمغامرة أو التهور. من هنا وقع الانتباه إلى ضرورة تفعيل القوة الصلبة الصينية لردع الهند والمؤسسة العسكرية الأمريكية.
***
تبقى احتمالات أخرى أقل أهمية باستثناء احتمال ذاع صيته فى كتابات العسكريين الأمريكيين، وهو أن تكون الصين قد أدركت أخيرا أن أطرافا مغامرة فى كل من واشنطون وسول وبيونج يانج تضغط من أجل إشعال أزمة عسكرية تنتهى بتغيير فى معدلات وتوازنات القوة فى شبه الجزيرة الكورية. بل ولا أستبعد شخصيا أن يكون العسكريون الصينيون قد توصلوا إلى أن القيادة الحالية فى كوريا الشمالية لم تعد مأمونة الجانب، بل وأن التفوق الصاروخى والنووى فيها ربما صار يمثل خطرا دائما يهدد أمن الصين. لذلك جاء التحرك العسكرى الصينى فى شكل استعراض قوة بهدف ردع المغامرين والمتهورين. الصين بالتاكيد لا تسعى لمواجهة مع القوات الأمريكية فى كوريا ولكنها فى الوقت نفسه تتمنى خروج هذه القوات ضمن تسوية إقليمية شاملة.
***
لن يبقى طويلا بدون حل لغز استعراض الصين لقوتها الصلبة فى هذا الموعد المبكر. قريبا، بل قريبا جدا، يعقد الحزب الشيوعى الصينى مؤتمره الأساسى ليتخذ قرارات مهمة ويضع سياسات جديدة. المؤتمر الماضى أوصل تشى إلى منصب الرئاسة وعدل المكتب السياسى ليكون فى صالح الرئيس الجديد، وهو أيضا المؤتمر الذى أطلق من خلاله الرئيس تشى صيحة الحلم الجديد، حلم بعث طريق الحرير وتجديد دماء العولمة بجعلها كما ذكر لا حقا فى أحد مؤتمرات دافوس عولمة صينية المعالم. يأمل الرئيس تشى أن يجدد المؤتمر المقبل له الولاية لفترة ثانية ويخلصه من بعض كبار عناصر الفساد فى الدولة والحزب، يأمل أيضا فى أن يحصل مسبقا على دعم الذراع الثانية فى منظومة الحكم وهو جيش التحرير الصينى. كان لافتا لمراقبين عسكريين غربيين أن الرئيس تشى ارتدى زيا عسكريا ولكن خال من علامات الرتب. أراد أن يكسب الجيش إلى صفه دون أن يفرض نفسه عليه لأنه فى واقع الأمر ليس منه ولا يمكن أن يكون. 
الاقتباس
أعتقد أن قادة الصين، ككثيرين غيرهم من قادة العالم صاروا مقتنعين بأن وجود الرئيس ترامب على رأس الحكم فى واشنطن يتسبب فى أضرار لدول عديدة وليس فقط للولايات المتحدة. المسألة لا تتعلق فقط بقناعاته مثل موقفه من حرية التجارة ولكن تتعلق أيضا بسلوكياته.

 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي