من الحظر إلى الحكم - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 5:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الحظر إلى الحكم

نشر فى : الجمعة 3 فبراير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 فبراير 2012 - 9:20 ص

الاتفاق على أن الثورة لم تكتمل لا ينفى حقيقة أن الأوضاع السياسية تغيرت خلال السنة الأخيرة كما لم تتغير خلال ستين سنة سابقة، وأن هذا التغيير قد طال بنسب متفاوتة أوضاع الحكم فى مصر، وكذا أوضاع الأطراف السياسية الرئيسية على الساحة.

 

فأما الحكم فقد صرنا أمام هيئات متعددة تقوم على إدارة أمور البلاد فى تلك المرحلة الانتقالية، هى المجلس العسكرى الذى تسلم مقاليد الحكم فى أعقاب خلع مبارك، وحكومته التى فوضها فى بعض صلاحياته، ومجلس الشعب الذى تشكل ــ لأول مرة فى التاريخ الحديث ــ بناء على انتخابات حقيقية تعبر نتائجها عن اختيارات المواطنين، وهو المجلس الذى حاز حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين أكثرية مقاعده، بعد أن كانت الجماعة قبل سنة محظورة مُطارَدَة.

 

وهذه التغييرات توجب على طرفين رئيسيين مراجعة مواقفهما، أولاهما عموم المهتمين بالشأن العام فى مصر، والذين اعتادوا التعامل مع الأطراف الموجودة فى السلطة باعتبارها غاصبة لها، مفتقرة للشرعية الديمقراطية فى حكمها، ومستندة ــ عوضا عنها ــ لشرعية القوة من خلال دولة أمنية تقمع المعارضين، وهو وضع تغير جزئيا بعد الثورة والانتخابات، إذ يستند أصحاب الأكثرية البرلمانية إلى إرادة ديمقراطية أتت بهم للحكم، وهو ما لا يمنع مخالفيهم من نقدهم أو التظاهر ضدهم، ولكنه يوجب عليهم (أى المنتقدين) إدراك تغير الوضع.

 

والثمرة الأولى لهذا الإدراك هى الانتقال من تبنى مواقف الرفض الكلى لأصحاب الأكثرية باعتبارهم مغتصبين للسلطة، إلى الإقرار بأصل شرعيتهم الديمقراطية، وانصراف النقد إلى ما يختلف معهم فيه من السياسات التفصيلية.

 

وهذا التغير فى الموقف الكلى يتفرع عنه تغير فى آليات التعامل، إذ لم يعد الأولى أن تقاطع المعارضة الأغلبية كما كان يحدث فى السابق، وإنما يصير التشارك فى تحمل المسئولية الأولى فى إطار إدراك حق الأغلبية فى تقرير السياسات نظرا لاستنادها لإرادة الأغلبية، وفى ظل إدراك لأهمية التفاهم بين المنتخبين فى السلطة ليتمكنوا من انتزاع السيادة من الطرف غير المنتخب، وهو ما يبدو ــ بكل أسف ــ أن بعض القوى البرلمانية لم تدركه، فرفضت المشاركة فى تحمل المسئولية من خلال رئاسة بعض اللجان، أو افتعلت مشكلات فى الجلسات لفتت المناقشات عن القضايا ذات الأولوية بدلا من نقد الأغلبية فى أسلوب تناولها لتلك القضايا.

 

وأما الطرف الثانى المطالب بمراجعة مواقفه فهو حزب الحرية والعدالة، الذى انتقل أعضاؤه بسرعة (ربما فاقت قدرتهم عن التغير) من المعتقلات للبرلمان، ومترتبات هذا الانتقال ثقيلة، أولها يتعلق بالتعامل مع النقد، الذى دفعت سنوات القمع الطويلة قطاعات واسعة من الجماعة لاتخاذ موقف سلبى منه؛ يرون تأجيله تحت شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، خاصة إن كانت معركة بقاء، وهذا الموقف غير مبرر فى أى وقت، بيد أنه يكون مفهوما حين القمع.

 

والحصول على أكثرية مقاعد البرلمان يوجب على الحزب تبنى موقفا مختلفا من النقد، لا يكتفى بتقبله بصدر رحب، وإنما يبادر بطلبه، وينظر فى كل ما يرد منه لاستخراج ما فيه من صحة، وهو موقف لا ينبغى أن ينحصر فى القيادات وإنما لابد أن يمتد ليشمل الكوادر المختلفة، فالخروج من محنة القمع يوجب على عموم المنتمين للجماعة والحزب تبنى هذا الموقف بحيث لا يصح أن يستمر تعاملهم مع كوادرهم الموجودين فى السلطة وفق قاعدة (الثقة) التى تحول دون توجيه أسئلة لم تعد تتعلق بالتنظيم وإدارته فحسب، وإنما صارت تتعلق بالوطن، ومقتضى العدل أن يتعاملوا مع تلك القيادات كتعاملهم مع غيرها من الموجودين فى السلطة، فلا تنتقص الثقة من المحاسبة، ولا يكون الود بديلا عن العدل.

 

وثمة مواقف مرت كنت أتمنى أن يكون المنتمون للجماعة والحزب أسبق فى انتقادها من غيرهم، كحديث بعض القيادات من تحصين قيادات القوات المسلحة ضد الملاحقة القضائية، والقبول بمخالفة مقتضى استفتاء مارس الماضى (الذى ألزم بانتخاب الرئيس قبل وضع الدستور الجديد، ورفع حالة الطوارئ فى سبتمبر المنصرم وشرط تمديده بموافقة أغلبية الناخبين فى استفتاء عام)، فضلا عن بعض التصريحات المسيئة التى نسبت لبعض القيادات، والتى ظلت الكوادر تدافع عنها حتى تبرأت منها القيادة، وبعض المواقف التى كان لابد من المسابقة بالدعوة للتحقيق فيها كالتعرض لبعض الفتيات اللاتى حاولن فض الاشتباكات بين الإخوان وغيرهم من المتظاهرين أمام البرلمان الأسبوع الماضى.

 

ثانى مترتبات الانتقال السريع من المعتقلات للبرلمان إعادة النظر فى العلاقة بين مؤسسات الجماعة ومؤسسات الدولة، فقد اعتادت الجماعة مع طول سنوات الإقصاء على التترس فى مؤسساتها (التى تشكلت أيضا على خط النار تحت القمع، فأثر ذلك على طبائعها)، ولم تعتد التعامل فى غيرها (وبالأخص المؤسسات الجامعة كمؤسسات الدولة) بالقدر الكافى، ثم صار حزبها فجأة صاحب أكثرية المقاعد فى المؤسسة الوحيدة المنتخبة فى الدولة، فأوجد ذلك تحديا يتعلق بتصور العلاقة بينهما، والأصل أن تكون مؤسسات الدولة أعم من مؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب فيها، كونها تدير شئون المواطنين كافة، وتعبر ــ فى الظرف الديمقراطي ــ عن مجموع آرائهم وتوجهاتهم، وهو ما يعنى أن النائب البرلمانى، وإن كان منتخبا عن دائرة بعينها وحزب سياسى معين، يصير فى البرلمان نائبا عن الأمة.

 

والظاهر أن تلك المسألة لا تتسم بالقدر الكافى من الوضوح فى أذهان بعض المنتمين للجماعة والحزب، إذ اضطلاع الإخوان ــ منذ فوزهم بالأغلبية البرلمانية ــ بمهام أجهزة الأمن فى تأمين المؤسسات الحيوية للدولة (سواء فى مظاهرات 25 يناير، أو فى تأمين مجلس الشعب الأسبوع الماضى) يشير لأن البعض يتعامل مع أجهزة الدولة بنفس المنطق الذى يتعامل به مع مؤسسات الجماعة (كان الموقف واحدا فى تأمين منصة الإخوان فى ميدان التحرير وهو شأن تنظيمى، وتأمين البرلمان الوزارات وهو أمر يتعلق بالدولة).

 

ولا مجال هنا للاعتذار بتقصير الأمن عن أداء دوره الذى فرض على الإخوان جبر هذا القصور بالمشاركة فى التأمين، إذ تفرض المسئولية الرقابية للبرلمان على أعضائه محاسبة الحكومة عن مثل هذا التقصير، وهم يملكون من الأدوات ما به يستطيعون سحب الثقة من الوزير المقصر أو الوزارة بأكملها، وبالتالى يصير سلوكهم طريق المشاركة بالتأمين خطأ مزدوجا: يتضمن تقصيرا فى الواجب الرقابى، وخلطا فى المفهوم بين مؤسسات الدولة والجماعة.

 

لن تنجح الثورة المصرية بغير مجتمع يتسع للمصريين كافة، ولكن يكون ذلك بغير أن تراجع جميع الأطراف مواقفها وتسعى للبناء على المشترك الوطنى، وتتقبل جميع الأطراف النقد، مدركة أن فيه بعض الصواب، وأن توجه ــ مخلصة ــ النقد لغيرها من الأطراف، مدركة أنه نقد يحتمل الخطأ، فلا يلزم خصومها قبوله.

التعليقات