الصدق والصداقة والصدقات - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصدق والصداقة والصدقات

نشر فى : الجمعة 3 يوليه 2015 - 10:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 يوليه 2015 - 10:50 ص

مضى أكثر من نصف رمضان! والحمد لله فالقرآن يرافقنا قراءة وسماعا، وربما تدبرا وتفسيرا، وربما عثر بعضنا على آيات ومعانٍ لم يلتفت إليها من قبل، وكل هذا خير، ولكن القرآن دليل يوجه السلوك، فهل تغير سلوكنا فى رمضان؟ أم أن قراءة القرآن قد زادت اكتفاء بثواب التلاوة؟ أبرز ما زاده الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى رمضان، هو اختصاص هذا الفعل «ص د ق» ومشتقاته بمزيد من العناية الفائقة، فلفظ الفعل «صدق» أو مصدره «الصدق» معلم هام وحيوى فى شخصية المسلم.

ــ1ــ
«صدق»، أول الصدق أن يصدق الإنسان مع نفسه، فلا ينطق إلا بما تراه عيناه ويعيه قلبه ثم يقره عقله ثم يسمعه للسانه بالكلام، أما أن ينطلق اللسان معبرا عن ظنون وأوهام أو رغبات وحزازات، فذلك «كذب على النفس»، فاحذر أيها الصائم أن تكذب على نفسك أو أن ينفلت لسانك دون دليل مقنع، ولهذا قال الرسول «صلى الله عليه وسلم» «إذا أصْبح ابْن آدم أصْبحت الأعْضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنك إن اسْتقمْت اسْتقمْنا، وإن اعْوججْت اعْوججْنا». وقد أراد الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن يبين لنا خطورة الكذب، فقال لمعاذ رضى الله عنه: «وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم». فانظر تشبيه الرسول لـ«كذبة اللسان» بأنها آلة حصاد تحصد حسنات الكاذب لتداوى بها من أصبته بلسانك». فاصدق أيها الصائم مع نفسك ولا تتبع الهوى، فالدنيا كلها لا تساوى غضب الله، وليتعلم ويتعود كل منا على الصدق وهو القول الموافق للواقع والحق الظاهر الذى تراه عيون صادقة.

ــ2ــ
والمستوى التالى: أن تصدق مع الناس صدقا فعليا، فإذا عاهدت وفيت بعهدك، وإذا أقسمت وحلفت بررت بقسمك، وإذا وعدت أحدا بمعروف فعليك إنجازه، وإذا توعدت أحدا بشر فعليك التمهل والتراجع والتسامح، فلا يليق بالصائم أن يدع طعامه وشرابه ثم يشبع نفسه بأفعال الشرور. اتق ربك أيها الصائم، ولا تكن تابعا لزلة لسانك، بل اجعل لسانك تابعا لعقلك وقلبك وليس تابعا للنفس وهواها.

وصدق اللسان يتجلى فى التزامه، أن لا ينقل حديثا ولا خبرا ولا نبأ إلا بعد مرور الكلام من الأذن إلى القلب والعقل ثم اللسان. أما أن تنقل من لسان غيرك إلى لسانك مباشرة، فتلك خطيئة كبرى عبر القرآن عنها وهو يصف الكذب والافتراء فقال تعالى: «إذْ تلقونه بألسنتكمْ وتقولون بأفْواهكمْ ما ليس لكمْ به علْمٌ وتحْسبونه هينا وهو عنْد الله عظيمٌ». هكذا ينتقل الكذب من لسان إلى لسان كما يتناقل الأطفال الكرة فيأخذها ويسارع بقذفها الآخرون. ولقد خص رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وصف هذه الجريمة حيث قال: «كفى بالْمرْء كذبا أنْ يحدث بكل ما سمع».

ــ3ــ
وليعلم الصائم أن الكذب ولو بـ«لفظة واحدة» فإن عقابها على قدر ما تصيب وتجرح، فالكلمة فى حق شخص عقابها بقدر ما تسئ إلى هذا الشخص، فإن تعدى اللفظ على عرضه وشرفه ومسئوليته، فالعقوبة تزداد بقدر ما بلغ التجريح. وكيف تتصور «كذبة كبرى» يشيعها مصدر إعلامى يلقن بها الملايين جرعة من الكذب أو التشويه أو التزوير؟! كيف تحسب حجم هذه الجريمة وهل تتصور حجم عقوبتها؟!

ــ4ــ
وأرفع الصدق أن تجمع أطرافه الثلاثة أن تصدق مع نفسك، وإن تصدق مع الناس ثم تصدق مع الله. نعم فأنت تعبد ربك كل يوم 17 مرة على الأقل وتقول: «إياك نعْبد» فهل فعلا تخلص العبادة له سبحانه؟ أى هل فعلا نطيعه هو جل جلاله قبل الاستسلام لشهواتنا ورغباتنا؟ هل نطيعه هو فنحترم خلقه ونحافظ على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، فالأنفس والأموال من متلكات الله جل جلاله، فدقق كثيرا واعلم أنك ساكن فى ملك الذى يراك ولا تراه ويحيط بكل ما تفعل.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات