عوائق تجديد الخطاب الدينىي.. غياب التخصص والاختصاص ج29 - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الدينىي.. غياب التخصص والاختصاص ج29

نشر فى : الأحد 3 يوليه 2016 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 3 يوليه 2016 - 8:25 م
ــ1ــ
رغم الضغوط السياسية الهدامة والتقصير المتعمد، فقد ثبت الأزهر طوال القرن الـ 19، وبقى محتفظا بقوته الذاتية التى قادت الكفاح الشعبى ضد الحملة الفرنسية، وبقى الأزهر متفردا كمصدر للتنوير ومصدر للتثقيف ومصدر للتعليم وحارس للهوية المصرية العربية المسلمة. وكان الجامع الأزهر مع تفرده وهيمنته على «العلوم الدينية» هو الرقيب الأعلى لإدارة جميع أموال الأوقاف سواء من خلال إشراف شيخ الأزهر على ديوان الأوقاف وما يتبعه من مساجد ومؤسسات خيرية، أو من خلال إشراف القضاء الشرعى على جميع الأوقاف. لذلك لم يكن ينشأ مسجد جامع إلا بموافقة الأزهر مبدئيا ثم موافقة نهائية بالسماح بوضع منبر للجمعة وتعيين الخطيب المسئول. وبقى ذلك النظام حتى مطلع القرن العشرين حين استجاب القصر لطلب المعتمد البريطانى «كتشنر» بإنشاء حقيبة وزارية لـ«الأوقاف» سحبا للأوقاف من تحت هيمنة الأزهر. وربطها ربطا مباشرا مع السلطة التنفيذية تمهيدا لرفع ولاية الأزهر عن المنابر، وتلك قصة رئيسة من قصص «تطويق الخطاب الدينى» وتعجيزه عن استمرار اطلاعه بمسئولية حكمة الدعوة وحسن أساليبها.

ــ2ــ
وفى يونيو 1899 عند نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20 صدر قرار عجيب ينص على فصل «منصب الإفتاء» عن «مشيخة الأزهر». وكان الإفتاء عملا من أعمال الأزهر وإحدى صلاحيات شيخ الأزهر أو من ينيبه حيث إن الإفتاء هو مرجع القضاء الشرعى والأزهر هو المصدر الوحيد لـ«القضاء الشرعى». وقد صدر هذا القرار العجيب بتعيين محمد عبده «مفتيا» بما يعنى فصم الإفتاء عن الأزهر وتقسيم قيادة الخطاب الدينى بين رأسين بدلا من رأس واحدة. وأحدث القرار أثره وانقسم الرأى العام. لذلك أقدم هؤلاء العابثون على الاستجابة لطلب «كتشنر» وإنشاء «الرأس الثالثة» للخطاب الدينى وهى «وزارة الأوقاف» فتوزعت مسئولية الخطاب الدينى بين الأزهر والإفتاء مع تبعيتها لوزارة العدل ثم وزارة الأوقاف كرأس ثالثة فى المؤسسة، فتم تمزيق المسئولية وحدث التضاد بين الرؤى واعتداد كل جهة بمدى قدرتها على الحلول محل الرأسين الآخرين!

ــ3ــ
وهكذا سار القرن العشرين والخطاب الدينى ممزقا بين جهات ثلاث لكل منها قيادة خاصة، وميزانية خاصة. بل إن كل جهة منها تتبع مؤسسة مختلفة، فالأزهر طوال تاريخه مؤسسة دعوة يتبع «رأس الدولة»: «الملك» ليبتعد عن مؤسسات الحكم والتحكم. أما الإفتاء الذى اقتطعوه من الأزهر فأصبح وظيفة من وظائف «وزارة العدل» لا عمل له فى تلك الوزارة إلا التصديق على أحكام الإعدام. وأضافوا إلى ذلك مهمة استطلاع الهلال للحرص على بقاء المنصب شاغلا مكانة فى الساحة الشعبية، أما وزارة الأوقاف فقد أصبحت حقيبة وزارية يتداولها الأحزاب وتتغير سياستها بتغير الحكومة فضلا عن أنها تتحكم فى المساجد وفى المنابر وما يقال عليها.

ــ4ــ
وقد أتاح هذا المناخ السيئ والتمزق الموجع لجميع القوى الراغبة الفرصة فى العبث بالخطاب الدينى، فالقصر الملكى يستعمل سلطاته استعمالا غير دستورى، فيتعسف فى استعمال الحق والسلطة فينفى شيخ الأزهر من منصبه دون مبرر كما يجرؤ على تعيين غيره. تماما مثلما يفعل أى حزب يشكل الوزارة، فيقوم بتعيين وزير الأوقاف الذى يتبنى سياسة الحزب فى استخدام أموال الوقف فضلا عن السيطرة على المساجد بالترقية أو النقل أو العزل. وكذلك تبعية المفتى لوزارة العدل وتحديد نشاطه فى أحكام الإعدام وإعلان رؤية الهلال بالإضافة إلى إجابة من يلجأ إليه كمفتى غير ملزم إلا لمن يسأله!

ــ5ــ
ومن أبرز مواقف ذلك المناخ ما حدث إثر وفاة شيخ الأزهر «محمد مصطفى المراغى» 1945، فاندفع الملك مخالفا قانون الأزهر وأصدر مرسوما ملكيا بتعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخا للأزهر من خارج هيئة كبار العلماء. وهنا اضطر الثلاثة الكبار فى هيئة كبار العلماء لإعلان استقالتهم من إدارة الهيئة وعدم التعاون مع هذا القادم من خلف القانون. وقبل مرور سنتين توفى الشيخ مصطفى عبدالرازق وإيذاء وقفة الأزهر، اضطر القصر الملكى إلى إرجاع حق الأزهر إلى أصحابه، والطريف أن الثلاثة الذى استقالوا اعتراضا على تعيين مصطفى عبدالرازق قد شغل كل منهم منصب شيخ الأزهر بقرار من نفس الملك. وهؤلاء الثلاثة هم الشيخ عبدالحميد سليم، الشيخ محمد مأمون الشناوى، والشيخ إبراهيم حمروش. رحم الله أصحاب القامات العالية والأنفس الأبية.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات