مدينة الفكر - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 4:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدينة الفكر

نشر فى : الأحد 3 أكتوبر 2010 - 10:40 ص | آخر تحديث : الأحد 3 أكتوبر 2010 - 10:40 ص

 فى جلسة عائلية طرح خالى الكاتب والصحفى شريف الشوباشى سؤالا علينا: إذا كتب طه حسين كتابه الشهير «فى الشعر الجاهلى» اليوم، هل يا ترى كان سوف يحدث نفس ما أثاره عام ١٩٢٦ من جدل ونقاش وفوران فى الوسط الثقافى المصرى؟ ودار الحوار بين أفراد العائلة وجاءت نتيجة الاستفتاء بيننا أننا نشك كثيرا فى أنه كان سوف يحدث أثرا فى حالة الخواء الحاضرة، كان سوف يكون أقرب إلى حجر يلقى فى ماء آسن قدره أن يختفى بمجرد الإلقاء به.

هل يمكننا القول إن برحيل طه حسين وزكى نجيب محمود وسيد عويس ومحمد مندور ولويس عوض وغيرهم من المفكرين والفلاسفة والنقاد فى مصر وبرحيل سارتر ولاكان وراسل وبارت فى العالم انقضت مرحلة إلى الأبد؟ مرحلة «الحياة مع الفكر». هل نحن فى عصر الأقزام غير العاقلة؟ أو فى عصر المفكرين الأقزام كما كتب الفيلسوف الفرنسى «دومينيك لاكوتور» وهو يتساءل عن العلاقة بين التفكير العلمى المصاحب لإنتاج المعارف الجديدة وبين الأشكال الأخرى للفكر أكان أخلاقيا أو سياسيا أو دينيا أو فنيا أو قانونيا. هل انتهى عصر التفكير؟ عصر الفكر الذى بدونه تصبح الحياة الخلاقة بلا قيمة كما أعلنت يوما المفكرة الألمانية «آنا آرندت». هل أدخلنا التاريخ فى عصر المبارزات الجدلية الإعلامية الجماهيرية على غرار برنامج «الرأى المعاكس» والمفرغة تماما من المضمون والتى تقبع فى المرايا المخادعة لأسوار مدينة الثقافة؟

لا أشك أنه لا وجود لحياة ثقافية فى مصر ولا حياة ثقافية فى الوطن العربى والمؤشرات فى هذا الموضوع واضحة. إنما مرايا عاكسة لمدينة تم وأدها تحت أطنان من تخلف وغباء وقبح. انتصرت اللاعقلانية انتصارا دامغا. والجدل القائم الآن بين ماكينات تمجد الأفراد ما هى إلا انعكاس لموت التفكير.

هناك انطباع عام بوجود شعور جمعى يؤكد أن من يفكر فاسق. فلابد أن يسير كل من يكتب على هوى الجماهير الغفيرة. وأمامه طريقان لا ثالث لهما. أن يكتب فى السياسة المصرية كلاما تافها أو أن يكتب فى السياسة المصرية كلاما تافها. وما عدا ذلك فكل تفكير مآله إلى سلة مهملات هذه المرحلة التاريخية التى نعيشها.

هناك تآكل فى المساحة العامة الجمعية للتفكير. مسح متصل بأستيكة بحجم الدولة لمدينة الفكر. بعد تولى وانقضاء عصر الحياة الثقافية المصرية فى بداية السبعينيات. فى هذه الفترة بدأ نموذج «شبه ثقافى» جديد فى التبلور. بدأ بمسح آثار تاريخنا الثقافى كله. بدأ بوأد مدينة الفكر وتمويل بناء مدن أخرى فى الصحراء المتاخمة. بتدريب كلاب آدمية على النباح ثم قضم أذرع كل من يتجرأ أن يفكر. وتحولت حياتنا كلها إلى نباح أو إلى محاولة للهرب من أصوات النباح المرعبة.

بدأت الدولة فى تمويل عدم تمويل البحث العلمى والتفكير العلمى والعقلانية. بدأت فى محاولة قتل العقل بالسيطرة على مناهج مدرسية متخلفة، وتدمير مؤسسة الجامعة برجال الأمن والمخبرين وبعض المسعورين. سيطرت الدولة على كل منافذ التفكير من دور للنشر وتوزيع للصحف وللكتب، وسيطرت على الإعلام، شكلت ببطء روحا لا تمتلك مفاتيح أبواب مدينة الفكر. هل دخلنا فيما بعد التاريخ حيث يسيطر على العالم اللا تفكير؟

لا أشك أن النهم لمعرفة «من نكون وإلى أين نتجه» لم يمت. وبالتالى لا أشك أن مدينة الفكر سوف يتم تشييدها من جديد. ولكن الطريق طويل ووعر، حيث الأرض غير ممهدة. علينا نحن من يعمل فى مجال الثقافة أن يدعم كل لحظة التفكير العقلانى وأن يبدأ من فوره فى بناء أسوار المدينة. علينا أيضا أن نهدم المرايا العاكسة البراقة لتدريب أعيننا أن ترى فقط ملمس الأحجار الحقيقية لمدينة العقل.

خالد الخميسي  كاتب مصري