عاصمة جديدة أم إنسان جديد.. أين الأولويات؟ - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عاصمة جديدة أم إنسان جديد.. أين الأولويات؟

نشر فى : الخميس 3 ديسمبر 2015 - 8:45 ص | آخر تحديث : الخميس 3 ديسمبر 2015 - 8:45 ص

كنت آمل أن يقف الرئيس يوم افتتاح الفرع الجديد لقناة السويس ليعلن للشعب المصرى والعالم بأن مصر قررت الخروج من عصر التخلف العلمى والتنافسية المتدنية، ولذلك قرر أن يكون مشروع إعادة بناء التعليم (وليس إصلاحه فقط فالفرق شتان)هو مشروعنا القومى التالى والرئيسى للسنوات الثلاث المتبقية من ولايته الأولى (والثانية اذا ما قرر الشعب المصرى اعادة انتخابه). هو المشروع الذى سينقذ الاقتصاد ويؤمن مجتمعنا وشبابنا من أخطار التطرف والتخلف. وبالتالى فهو ينادى الشعب المصرى أجمع بالاكتتاب فى هذا المشروع القومى كما سارع فى الاكتتاب فى مشروع قناة السويس.

هل لدى أى منا أدنى شك بدرجة تفاعل الشعب المصرى مع مثل هذا النداء بعد أن أثبت الرئيس بمشروع القناة بأنه يوفى بوعوده، كما أثبت الشعب المصرى أيضا بأنه راغب، بل وقادر على التكاتف حول مشروع يوحده ويساهم فى الرفع من جودة حياته. فهذا هو المردود الحقيقى لمشروع قناة السويس، وليس العائد المادى الذى لا يبرر التسرع فى إنهاء هذا المشروع بهذه الكلفة العالية!

***

كنت آمل أن يعيد استثمار الرئيس هذا العائد الضخم فى المشروع الوحيد القادر على إصلاح الاقتصاد والأمن بصورة مستدامة، بدلا من اختيار مشاريع وحلول ذات عوائد قصيرة المدى فى أحسن الفروض، يدفعنا إليها تخوفنا من حجم المشكلات التى نواجهها، وهى بالطبع عظيمة. ولكنه آن الأوان للقائمين على إدارة هذا البلد بأن يغيروا سياسة ردود الأفعال المتسرعة الرامية لحلول مسكنة سريعة والتى أثبتت على مر العقود السابقة فشلها الذريع، كما هو واضح الآن بتكرار الكوارث الناتجة عن الجهل وسوء الإدارة وغياب التخطيط والرؤية.

والحل للمشاكل التى نعانى منها لن يكون أبدا فى معالجة الظواهر، الحل المستدام الوحيد هو التعليم، فالفرد ومستواه الفكرى والعلمى يشكل جذور جميع تلك المشكلات. آن الأوان أن ننتقل بهذه الجملة من مستوى التسويق الدعائى إلى المواجهة الجادة. آن الأوان أن نعترف بأن منظومة التعليم الحالية لا ينفعها أى إصلاح فهى منظومة بنيت على مر العقود الماضية بهدف السيطرة والتحكم وليس بهدف التعليم والنهوض بشعب، وفى هذا فقد أثبتت نجاحا باهرا فنجد شعبا بأكمله شاغله الشاغل تجميع الدرجات بأى ثمن وعلى حساب العلم نفسه. شعب يصرف ما يقارب من ١٧٪ من دخله الشخصى بخلاف ما تصرفه حكومته (١١٠ مليارات) على التعليم والنتيجة تقارب ٤٠٪ أمية!

سيادة الرئيس، بناء منظومة جديدة للتعليم هو السبيل الوحيد لمواجهة مشاكلنا الطاحنة اقتصادية كانت أو أمنية، فالجهل هو المغذى الأساسى للإرهاب، ومهما قصفناهم وحبسناهم وصفيناهم لن ننجح فى القضاء على الإرهابيين الذين يولدهم الجهل الشخصى والمؤسسى. ومهما طرحت الحكومة أراضى جديدة للاستثمار لن يجلب تنمية مستدامة طالما تهدر الموارد بالجهل الإدارى والرؤى القصيرة أو المنعدمة. اقتصاديا، أثبت الشعب المصرى بأنه شعب غنى وقادر على تمويل مشاريع بالمليارات فى ستة أيام إذا ما أراد، ولكن الجهل وافتقاد الثقة تبقى على أكثر من ٥٠٪ من اقتصاده «تحت البلاطة».

التعليم هو الحل الوحيد على الأمد الطويل كما هو الحل الوحيد على الأمد القصير أيضا.

***

المشروع القومى الذى حل محل التعليم والمتمثل فى ما نطلق عليه بالعاصمة الإدارية الجديدة وطبقا لمجلس الوزراء الذى اعتمد الدراسة المقدمة له من وزارة الاسكان يبشر بأرباح تقارب ١٢ مليار جنيه من مرحلته الأولى والتى أتصور أنها لن تقل عن ٥ إلى ١٠ سنوات. وهذا الرقم يمثل نفس الرقم الذى يصرفه الشعب المصرى كل عام على الدروس الخصوصية فقط طبقا لبعض الدراسات (دراسات أخرى تشير إلى ٧ مليار). ما هى نسبة الوفر السنوية للأسرة المصرية إذا ما وجدت أبنائها فى مدارس لا تحتاج إلى دروس خصوصية؟ اقتصاديا يمثل هذا الوفر تحسين مباشر فى المستوى المعيشى للأسرة ويقلل من نسبة الدعم الذى تحتاجه، فهو بمثابة زيادة مباشرة لا تقل عن ٨٪ فى قدراتها الإنفاقية. وماذا لو وضعنا أمام امهات مصر خطة واضحة للوصول إلى هذا الهدف فى خلال ثلاث أو خمس سنوات؟ أزعم بأن الأم المصرية ستكون أول من ينتفض لحماية هذه الخطة من الفساد والمفسدين، الذين بالطبع سيحاولون تحطيم وإفشال مثل هذه الخطة للإبقاء على المنظومة الحالية.

ولكن لكى يكون لهذا الحديث إضافة لشكوانا المتكررة من هذا الموضوع دعونا نناقش بعض جوانب تنفيذ مثل هذا المشروع، فردود الفعل التقليدية لمثل هذه الاطروحات تركز على نقاط مثل: أن مردود هذا المشروع لن نراه قبل ١٢ أو ١٥ عام، وكيف نبنى تعليم جديد والمدرس نفسه يحتاج إلى إعادة بناء، وحجم الفساد والمستفيدين من فشل المنظومة أقوى من أى منظومة إصلاح، والتكلفة أكبر بكثير مما تستطيع تحمله ميزانية الدولة فالأعداد كبيرة وتتزايد كل عام، إلى آخر الآراء المحبطة والمحبطة التى اصبحنا رواد بها.

***

ولنكن موضوعيين لنبدأ بتحديد حجم المشكلة بالأرقام حتى لا نندفع وراء الانطباعات فقط: يعمل بمنظومة التعليم المصرية نحو مليون مدرس، و٢٠ مليون طالب يذهبون إلى ٥٠ الف مدرسة بها نحو ٤٧٠ ألف فصل. أى لدينا مدرس لكل عشرين طالبا، ومدرسة لكل ٤٠٠ طالب، وفصل لكل ٤٢ طالبا. وتلك معدلات محترمة مقارنة بأية معايير عالمية ولا تفسر حجم الفشل الحالى للمنظومة. بالطبع هذه المعدلات تفترض وجود عدالة فى التوزيع الجغرافى وتوزيع الموارد، وهذا غير موجود، وإلا لما وجدنا فصول بها سبعون طالبا ومدرسون لا يذهبون إلى المدارس لعدم وجود عمل لهم.

ونستخلص من تلك الأرقام أن الخلل الرئيسى ليس بالموارد (وإن كانت محدودة) وإنما الخلل الرئيسى قائم فى سياسة ومنهجية توزيع وإدارة هذه الموارد، ولن يجدى صرف أربعين مليار جنيه لإضافة ٥٢ ألف فصل إضافى كما طالب وزير التعليم لحل مشكلة الكثافة طالما حافظنا على نفس منظومة الإدارة التى تركز أكثر على السيطرة منها على التنوير. وماذا عن تكلفة ترميم وإصلاح المدارس القائمة، وماذا عن تكلفة إعادة تأهيل المليون مدرس، وماذا عن تكلفة تطوير المناهج … إلى آخره من تصريحات الأرقام اللامتناهية والتى إن هدفت إلى شىء فهى تهدف إلى تبرير عدم قدرتنا على الحل بحجة انعدام الموارد. ولكننا اكتشفنا من خلال مشروع قناة السويس أنه لا يوجد مشكلة موارد فى مصر عندما تتوحد إرادة الإدارة مع إرادة الشعب على رؤية واضحة ومشتركة. ما نفتقده فى مشروع بناء التعليم ليس الموارد بل الإرادة السياسية المخلصة والرؤية الواضحة الصريحة أكثر من احتياجنا للموارد.

ولكى نكون إيجابيين يجب أن نبدأ بقراءة صريحة لواقعنا لتحديد أفضل استراتيجية للمواجهة الفعالة.

التعليم هو السبيل الوحيد.

 

عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات