التفاؤل صعب.. ولكن الحلم مازال ممكنا - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التفاؤل صعب.. ولكن الحلم مازال ممكنا

نشر فى : الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 9:30 م
التفاؤل هذه الأيام صعب.. فبعيدا عن التعصب السياسى الأعمى الحاكم لحوارنا المجتمعى، وبدون إعادة ما يتم مناقشته يوميا على صفحات الجرائد من إخفاقات إدارية ومشاكل اقتصادية ودولار فقد السيطرة. فالأرقام فى مجملها لا تبشر والرؤية الغامضة للإدارة ترسم صورة داكنة للمستقبل القريب. وهذا الغموض أسوأ ما فى الأمر، أسوأ من صعوبات الحياة التى يمكن للمواطن تحملها إذا ما كانت الرؤية واضحة له.. لذلك التفاؤل صعب!

أما الحلم فمازال ممكنا رغما عن كل ذلك، ولا يجب التنازل عنه، فبدونه ينعدم السبب للاستمرار.

بتحلم بإيه؟

أنا بحلم بيوم توجه فيه مصر طاقاتها للبناء الحقيقى وهو بناء الإنسان وليس بناء الخرسانات، بحلم بيوم تتضح فيه لمصر معانى الإعجاز الإلهى الممثل فى العقل البشرى فتوجه طاقاتها واستثماراتها لتنميته واستخراج طاقاته الإبداعية بدلا من تركيز كل المجهود فى محاولات السيطرة عليه وتقويضه. بحلم بيوم تعيد فيه مصر الإنسان لمكانته المميزة التى فضَله الله بها حينما ميزه عن سائر المخلوقات.

اختيار الله سبحانه وتعالى كلمة «اقرأ» لتكون أول كلمة تنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام، له مدلولات كثيرة؛ فالقراءة هى السبيل الأساسى للوصول إلى المعرفة، والهدف من الوصول إلى المعرفة هو التفكير فى الخليقة وتحليلها وفهم الإعجاز الإلهى، ومن هذا الفهم نصل لحل مشاكلنا الحياتية، ونحسن من جودة الحياة للإنسان. العقل البشرى هو الوسيلة الأساسية للوصول إلى هذا الفهم والتفهم عن طريق قدراته فى تخزين المعلومات والربط بينها وخلق علاقات واختراعات جديدة باستخدام قدرات التخيل والإبداع.

***

كل هذا التقدم وكل هذه الاختراعات التى نتمتع بها فى هذا العصر والإنسان، يستخدم نحو ١٠٪ فقط من طاقات العقل البشرى، فما بالك حينما يتمكن من استخدام جزء من الـ٩٠٪ المتبقية! وتتميز العقول اليافعة الشابة بحرية أكبر فى التفكير والإبداع، لأن القيود التى تتعرض لها فى منظومة التعليم والترويض الاجتماعى تتكاثر مع زيادة العمر. فأهداف تلك المنظومات فى غالبية مجتمعاتنا قلما تكون موجهة للحفاظ على حرية الفكر والإبداع.

ومن هذا المنطلق يمكننا قراءة معدل النمو السكانى العالى لمصر والذى أوصل نسبة العقول اليافعة تحت سن ٢٥ عاما فى مصر إلى ٥٠٪ من تعداد السكان، أو أكثر من ٤٥ مليون عقل، كميزة تنافسية كبيرة. فهى تمثل رأس مال إبداعى وإنتاجى عالٍ جدا، إذا ما توفر لأى شركة تجارية مكَنها من تحقيق نجاحات وأرباح غير محدودة طالما توفرت الرؤية والقدرة السليمة لإدارته. وطبعا هناك الرؤية البديلة «الحالية» والتى تقرأ النمو السكانى وبالذات نسبة الشباب منها على إنها مصدر إزعاج لما تمثله من أفواه يجب إطعامها وعقول يجب ترويضها، وأصوات عالية يجب إحجامها.. هى بالتالى نقمة ومشكلة.

فى تقرير «رأس المال البشرى» الذى نشره الملتقى الاقتصادى الدولى فى عام ٢٠١٥ صنف مصر فى المركز الـ٨٤ من إجمالى ١٢٤ دولة ومعادل رأس المال البشرى بها ٦١،٣٨ مقارنة بمعادل الدولة الأولى فنلندا وهو ٨٥،٧٨ والأخيرة وهى اليمن ٤٠،٧٢. ويقيس هذا المؤشر التكامل فى استخدام الدولة للمواهب البشرية المتاحة لها ومستويات تعليمها ونسبة العاملين منها والعاطلين والمعطلين، إلى جانب قياس مستويات تأهيل المواهب عند دخولها سوق العمل. وتوصل التقرير إلى أن المواهب المتوفرة لأى دولة ستكون المعيار المؤثر الأساسى على التنافسية والابتكار والنمو للدول فى القرن الـ٢١.

***

كيف نستغل المواهب الكامنة فى الـ٤٥ مليون عقل الذى نسميه بجيل الشباب، وما هو الواقع الذى يترعرع فيه هذا الجيل؟ الواقع الذى يراه أمامه كما صوره لى بعضهم «التعليم فيه أصبح شاومينج، والصحة رفاهية، والأخلاق بتتعرى فى الشارع، والفساد بنتصالح معاه، والرأى بيودى السجن، والعدالة اختيارية، والثقافة مسلسلات، والاقتصاد ديون، والسياسة تيران وصنافير...»!

فكيف يترعرع الإبداع فى ظل هذه البيئة السلبية التى يراها ويعيشها الشباب. من الطبيعى إذن أن تكون معدلات الابتكار والاختراعات المؤثرة متدنية جدا «إن وجدت» وأن تكون معدلات الإنتاجية والتنافسية للعنصر البشرى أيضا متدنية. إذن فنحن نهدر رأس المال هذا بدون مردود يذكر والأرقام تدل على ذلك. استثماراتنا الأكبر تذهب فى تنمية سبل ونظم السيطرة والتحكم بدلا من تنمية رأس المال البشرى. فمنظور الجيل الحاكم تنحصر فى رؤية ضيقة للنمو تتلخص فى محورين فقط أولهما الاستقرار الأمنى وثانيهما معدل النمو الاقتصادى، أرقام يفترض أن الوصول إليهما يحقق التنمية. ولكن أرقام مصر فى هذين المحورين فى عام ٢٠١٠ كانا محترمين جدا ولكنهما ومع ذلك أسفرا عن ثورة، فهل لنا أن نتساءل لماذا؟ ما هى العلاقة الحقيقية بين النمو الاقتصادى والتنمية، وما الفارق؟ علماء أجلاء كتبوا كثيرا فى هذا الموضوع ولكننا يبدو أننا لا نقرأ!

ماذ يحدث لرأس المال البشرى هذا؟ كثيرا منه يستسلم للواقع المرير ويلعب اللعبة، أو يلقى بنفسه فى غياهب البحر سعيا وراء عالم آخر، أو يختبئ فى عالم آخر بمساعدة المخدرات. إلى آخره من الأمثلة المحبطة للإهدار. فماذا نحن بصانعين؟ و«نحن» هنا تشير إلى كل من لا يعتنق ولا يُسلِم بالمنطق السائد لإدارة رأس مالنا البشرى عن طريق السيطرة والتقويض. هل نستسلم للإحباط ونكتفى بإنهاء الحديث بـ «ربنا يستر!» (كما يحدث فى جميع حواراتنا الاجتماعية) ونعود لنستمر فيما كنا فيه؟ وماذا لنا ان نفعل وسلو النظام الادارى للدولة اليوم يلجأ إلى التقويض والترهيب لمنع أية آراء معارضة بغض النظر عن أهدافها أو فوائدها؟

الموقف خطر فنحن نخسر رأس مالنا الحقيقى، وأى شركة تخسر رأس مالها لا بديل عن إشهار إفلاسها لأنها تفتقر حينئذ مقومات القيام مرة أخرى. ولذلك وبالرغم من القراءة القاتمة للوضع الراهن إلا أن الاستسلام ليس بديلا كما أن الإحباط رفاهية لا نملكها أيضا. لذلك يجب أن نلجأ لفكر جديد يتركز على حماية رأس المال الإبداعى لهذا الوطن. كيف نحافظ على عقول شبابنا من التآكل والتسرب؟ وهذا الفكر لا يدفعه منطق ثورى أو وطنى بقدر ما يدفعه فكر منطقى وعقلانى يدفعه الرغبة فى حماية استثماراتنا فى هذه الشركة التى نساهم فيها جميعا والتى نسميها مصر.

لست الوحيد الذى يراوده هذا الحلم، فالكثير منا يشارك فيه، بل هناك الكثير الذين تعدوا الحلم بمحاولات جادة لتحقيقه، وفى الخمسة أعوام الماضية ظهرت نجاحات عديدة ومبهرة. وإن كانت فى غالبها صغيرة ومتناثرة إذا ما قورنت بحجم رأس المال. لعلنا نتمكن فى المستقبل القريب من تجميعها وربطها لخلق كتلة حرجة قادرة على التأثير على مسار المجتمع الأكبر، ومن ثم تحويل الحلم إلى حقيقة!

للحلم بقية…
عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات