حفلة رأس السنة - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 7:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حفلة رأس السنة

نشر فى : الإثنين 4 يناير 2010 - 9:33 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 يناير 2010 - 9:33 ص

 «حفلة رأس السنة «عنوان قصيدة للشاعر فؤاد قاعود نشرت ضمن ديوانه «الاعتراض»، وعلى الرغم من أن الشاعر قد كتبها عام 1969 فإننا يمكن أن نعيد قراءتها فى مطلع كل عام وكأنها كتبت أمس، بل إننا يمكن أن نراجع وجوه النماذج البشرية التى رسمها الشاعر فى قصيدته فنلمح فيها تحديدا وجه فلان أو صورة فلانة.

حتما ستتغير أسماء الوجوه التى تستدعيها القصيدة فى ذهن كل متلقى وفقا لثقافته وخبراته، وربما تغيرت أسماء الوجوه لدى المتلقى نفسه كل عدة أعوام، لكن ستبقى لهذه النماذج الخيالية مرادفات بشرية نعرفها وتعرفنا حتى لو لم نلتق بها أبدا فى حياتنا العملية.

وليسمح لى القارئ بأن نطالع القصيدة كاملة أولا دون تقطيع لأوصالها، قبل أن يتفرس كل واحد منا فى وجوهها على راحته وهواه:

سنـة سعيدة
واتفرغوا المعازيم فى بهو القصر
للشرب والأحلام
وفكر اللورد العجوز فى الماضى
وفكروا أحفاده فى المستقبـل
* * *
سنة سعيدة
ومليونيـر
خد كاس وخش لوحده فى الشرفة
يحسب فى ليلة العيــد
مكاسبه فى العام الجديد
* * *
سنة سعيدة
وحط مارشال الحروب
وشه الكئيـب
فى قناع ملاك
وهش من باله ضحايا الشعوب
وساب غرايزه للنغم
* * *
سنة سعيدة
وقال زعيم المعارضة
لعدوه فى البرلمان
بلاش كلام فى الشغل
الليلة نرقص ونشرب
وبكره نلعب لعبة الأحزاب
* * *
سنة سعيدة
وقهقهت فنانة الأوبرا
لما الأمير خد إيدها للرقصة
قالت أخيرا.. وانحنت
* * *
سنة سعيدة
واتكونت أول ساعات فى السنة
واحدة تلاته أربعة
والسيدات والسادة
تعبوا من الليل والخمور والصخب
ناموا فى أماكنهم
وقال رئيس الخدم
حتى الترف فيه تعب!
وفى زقاق ضيق فى ظهر القصر
طلع النهار
على عيلين من لمامين الورق
لموا الطراطير والإزاز الفارغ
ونقضوا م الزبالة باقى تورتاية
أكلوها وابتسموا
بسمة حزينة
زى اللى مرسومة على الأقنعة
سنة سعيدة

إننا نعرف بالتأكيد أكثر من اسم لهذا اللورد العجوز الذى أقام الحفل فى قصره متشبثا بأذيال الماضى، بينما يستشرف أحفاده أطراف المستقبل الذى يأملون فيه استمرار المحافظة على هذا العز والجاه.

ونعرف أكثر من مليونير لا يفكرون إلا فى أنفسهم ولا ينظرون طرفة عين لما كسبوه بل يمعنون النظر فى البحث عما يمكن كسبه غدا حتى ولو من دم البشر، ولهذا لابد لهم فى مطلع العام من مراجعة هذه الحسبة المنتظرة على انفراد مع قليل من الخمر لتخدير الضمير.

ونعرف أكثر من مجرم ومجرمة حرب تطلبهم المحاكم الدولية بالفعل ويهربون منها، أو لم تطلبهم بعد، وندرك تماما أنهم قد تحولوا إلى ملائكة لهم أجنحة محلقة بساحات الرقص فى تلك الليلة الليلاء.

ونعرف أكثر من زعيم لمعارضة الشرفة، لكنه من أعز أصدقاء الغرفة، فما يكتب فى الجرائد فللناس، وما يتم الاتفاق عليه فى الخفاء فللنفس، ولا تحكمه سوى المصالح الشخصية الضيقة.

ونعرف أكثر من نموذج لزواج المال بالفن، وما ارتبط به من قصص خيالية، بهيجة أحيانا ودامية فى أحيان أخرى.

ونعرف أكثر من معزوم اشتد عليه إرهاق الطعام والشراب والرقص المضنى فى هذه الحفلة، حتى إنه لم يذهب إلى عمله فى اليوم التالى، الذى هو فاتحة العام وبداية النشاط.

لكننا جميعا لا نعرف بالتأكيد هذين الطفلين من جامعى الورق اللذين تناولا طعامهما من الفضلات الملقاة فى صناديق القمامة..

وعندما يأتى اليوم الذى نعرف فيه هذين الطفلين، وغيرهم من الأطفال المشردين على أرصفة العالم، ونهتم بهم اهتماما حقيقيا، فى هذا اليوم فقط قد يبدأ عام جديد سعيد، حقا يختلف عن سابقه فى تاريخ البشرية.

التعليقات