أوهام حرب المياه مع إثيوبيا - إيهاب عمر - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 7:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوهام حرب المياه مع إثيوبيا

نشر فى : الجمعة 4 أبريل 2014 - 8:40 م | آخر تحديث : الجمعة 4 أبريل 2014 - 8:40 م

يموج الفضاء الرقمي بقصص الإعلام الأمني المصري، حول ذلك اليوم الذى استيقظ فيه حكام إثيوبيا، وقرروا فيه التآمر على مصر وقطع مياه نهر النيل عن أراضيها، بالتزامن مع وصول وفود إسرائيلية وأمريكية وقطرية وتركية إلى إثيوبيا لكى تتكامل أركان المؤامرة الكبرى.

ثم يستكمل السيناريو المنشور بأن السد الإثيوبي معرّض للانهيار، ثم إن طائراتنا الحربية قادرة على قصفه متى شاء حاكم القاهرة، وأخيرًا خرجوا بمشروع نهر الكونغو، الذي سوف يغرق دولة جنوب السودان والسودان الشمالي وصولا إلى الحدود المصرية – السودانية، ثم يصب مياهه في بحيرة ناصر، ويحبذ أنصار هذا السيناريو أن يرددوا في سعادة أن هذا عقاب قدري للبشير الإخواني!.

ولكن الحقيقة – قطعًا – تكاد تكون عكس كل هذا، فاليوم الذي استيقظ فيه حكام أديس أبابا لمناقشة السدود كان اليوم الذي أدركوا فيه أن 90% من سكان وأراضي إثيوبيا لا يصلهم الكهرباء، وأن إثيوبيا بحاجة إلى خطة إنعاش اقتصادية فورية وإلا انهارت وأصبحت جزءًا من التاريخ، وهكذا بدأت الدراسات لكيفية توليد الكهرباء وكيفية النهوض بالاقتصاد الإثيوبي.

وكانت الإجابة أن الموارد المائية لإثيوبيا لا تكفى لتوليد الكهرباء وسد احتياجات الشعب الإثيوبي فحسب، ولكن إثيوبيا قادرة على تصدير الكهرباء لعموم شرق أفريقيا، وبالتالي فإن عوائد تصدير الكهرباء سوف تنعش الخزينة الإثيوبية، وتصنع النهضة الإثيوبية التي سوف تنفذ البلاد من مظاهر الدولة الأفريقية الفقيرة الضعيفة إلى دولة تقف جنبًا إلى جنب مع جنوب أفريقيا المتحضرة في المحافل الدولية.

وحينما فكرت إثيوبيا في تمويل السد، لم تذهب إلى إسرائيل أو أمريكا، بل إلى السعودية والكويت والإمارات، حيث تمتلك الدول الثلاث صناديق سيادية تضخ مساعدات اقتصادية، ومنح لا ترد إلى الدول التي بحاجة إلى مساعدات عاجلة، وبالفعل، السد الإثيوبي بدأ بأموال سعودية – كويتية – إماراتية، ولم يكن للمال التركي أو القطري أي دخل في المشروع.

وبالتالي نحن أمام أمة تمارس دورها الطبيعي والإنساني في أن تنهض من كبوتها، وأن تجد بديلًا للظلام الدامس الذي يعيش فيه تسعة أشخاص من كل عشرة في إثيوبيا، ويكفى القول إن إثيوبيا تبني اليوم 17 سدًّا على ضفاف الأنهار الإثيوبية، منها 12 سدًّا يتعلق بمجرى نهر النيل، وبالفعل أبرمت العقود، وسوف تصدّر إثيوبيا الكهرباء إلى كينيا وجنوب السودان وجيبوتي، بل وهناك دراسة لنقل الكهرباء إلى اليمن عبر البحر الأحمر.

اليوم الذي استيقظ فيه حكام إثيوبيا لبناء تلك السدود أتى عام 1984، بسد يطلق عليه "فنشا"، ولكن الحكومة المصرية لم تنتبه إلى هذه السدود إلا عقب عقدين من الزمن!، بعد عقدين من الزمن، تسلمت خلالها أديس أبابا منحا خليجية من الرياض والكويت وأبو ظبي ودبي، وبعد أن بدأت الصين تتدخل في السدود الإثيوبية، وبالطبع أتى اللوبي الإسرائيلي في أفريقيا متأخرًا، ولكنه أصبح له تواجد في تشجيع السدود الإثيوبية، وبدأ المال الإسرائيلي يتدفق من أجل دعم الصناعات والاستثمارات التي سوف يكون لها تواجد بالمناطق الصناعية المتاخمة لتلك السدود.

لم تنتبه الحكومة المصرية إلى خطورة السدود الإثيوبية إلا حينما بدأت إسرائيل تتحدث علنا ً عن الأمر، حتى التنسيق السرى كان غائبًا عن أعين الحكومة المصرية تمامًا، كما فوجئت الحكومة المصرية يومًا بالرئيس السوداني عمر البشير يوقّع اتفاقيات ماشاكوس، والتي فهم أي متابع للشأن الأفريقي أنها وثيقة الانفصال الحقيقية لجنوب السودان عن شماله، وأن كافة الإجراءات التي جرت عقب ذلك كانت بروتوكولية لا أكثر ولا أقل.

ولكن بعيدًا عن حق إثيوبيا الطبيعي في استغلال مواردها وفي النهوض باقتصادها، هل السدود خطرة فعلًا على حصتنا بمياه النيل، وما حقيقة الدور الإسرائيلي في الأمر؟

السدود بالفعل سوف تؤثر على حصتنا في المياه، خاصة أن بعض خزانات تلك السدود سوف يمتلئ لعدة أعوام قبل أن يفيض منه ما يذهب إلى مجرى النيل وصولًا إلى بحيرة ناصر، ثم إن بعض خزانات تلك السدود إذا ما جرى لها أي مشكلة قد يفيض بالمياه بطريقة تُغرق أجزاء من الجنوب السوداني بالكامل، أما عن حديث رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي، عن أن هذه السدود قد تفيد مصر في شيء فهو كلام مضلل، وكافة تصريحات وزراء الري حول الأمر ذاته كلام مضلل بدوره، فلا خير لمصر من وراء تلك السدود.

أما عن طبيعة الدور الإسرائيلي في السدود الإثيوبية فهو دور مشجع، ولكنه ليس قياديًّا ولا رائدًا، فرجال الأعمال الإسرائيليون يقومون فقط بتمويل بعض المشروعات في مناطق صناعية سوف تستفيد بإنشاء تلك السدود، ومع ذلك هي خطوة استفزازية، الغرض منها تشجيع أديس أبابا على التمادي في تحدي الجار المصري.

هذه هي المشكلة بعيدًا عن أكاذيب الإعلام في مصر، ولكن ماذا عن طرق معالجة تلك الأزمة؟

يتحدث البعض عن مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل، ورغم صعوبة الأمر فنيًّا إلا أنه متى توافرت الإرادة السياسية للمشروع فإن جميع العقبات الفنية سوف تُزال بسهولة، ولكن السؤال الحقيقي هنا هو إذا ما تم ربط نهر الكونغو بنهر النيل، هل سوف نستغني عن نهر النيل ونتركه لإثيوبيا؟ هل يصاب حكام إثيوبيا بالانبهار ويقررون في خشوع إيقاف بناء السدود؟!

وإذا كانت نية المؤامرة متوافرة لدى البعض، فما المشكلة في أن يتم بناء بضعة سدود على ضفاف نهر الكونغو، تجعل مياهه لا تصل إلى نهر النيل، خاصة أن دول نهر الكونغو تعاني من أزمات سياسية عنيفة، سواء جمهورية أفريقيا الوسطي أو الكونغو الديمقراطية نفسها، وبالتالي فإن الاستعانة بمياه نهر الكونغو لن تحل مشكلة الشعوب الجائعة المتعطشة للحياة الكريمة في وسط أفريقيا، ولن تحل رغبة بعض الدول في استغلال هذا الظمأ لمناكفة الشمال والجنوب الأفريقي.

كما أن مشروع نهر الكونغو دُرس بين أربع دول هي الكونغو ومصر والسودان وجنوب السودان، ولن يُغرق بأي حال من الأحوال السودان أو جنوبه، وبالتالي فإن (البشير الإخواني) لن ينال عقابه بالمشروع كما يتوهم البعض!.

ولعل أخطر ما قيل بحق أزمة السدود الإثيوبية هو تلك الطائرات الحربية التي يمكن أن تدك السدود (في ست ساعات)، ففي واقع الأمر ينتظر مصر سيناريو مماثل لمصيدة ضرب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت عام 1990، حينما شجعت بعض الأطراف الدولية الدولة الخليجية الصغيرة على استفزاز الجار العراقي، ثم تركوا الحبل على الغارب لحاكم بغداد لكي يفعل فعلته قبل أن يجد جيوش العالم تجتاح جاره الكويتي ثم تبدأ في النَّيل من أراضي دولته، والكارثة أن سيناريو الطائرات المصرية هذا ردده الرئيس الأسبق حسني مبارك، ونائبه الراحل عمر سليمان، في بعض التسجيلات التي سُرّبت لاحقًا، مما يثير دهشتنا في المصير الذي كانت مصر سوف تذهب إليه يومًا ما، لولا ثورة 25 يناير 2011 التي أتت لكي تسقط تلك الأفكار مؤقتًا.

فالطائرات المصرية لن تذهب يومًا ما لضرب إثيوبيا، ولو ذهبت فلن تعود إلا ومعها طائرات أمريكية وبريطانية وفرنسية، وسوف تُحاصَر مصر عسكريًّا، وتُقلّم أظافرها طويلًا، فالحل العسكري هو حلم لن يحدث قط ما لم تحدث معجزة ما، وتتلقى مصر ضمانات استثنائية من روسيا أقوى مما جرى في العدوان الثلاثي لكي تذهب مصر للإغارة ضد جيرانها، ثم تعود كأن ما جرى مجرد تأديب لفتوة الحيّ المجاور.

وبالتالي نحن أمام مشهد مرتبك، فالحل الدبلوماسي خيال، والحل العسكري مصيدة، والمؤامرة في تفاصيلها بنسبة 99% كذبة لكي تتجنب أجهزة الدولة المحاسبة الشعبية، وفشل ذريع لكل حكومات مصر منذ عام 1984 وأجهزتها في معرفة تفاصيل ما يجرى علنًا على ضفاف منابع النيل في إثيوبيا.

ختامًا نحن أمام خطر حقيقي، لا حل له بالحلول التقليدية، وبحاجة إلى استراتيجية من نوع جديد للتخلص من أخطر أزمة سوف تواجه مصر في العشر سنوات المقبلة.

التعليقات