أذن .. فليسقط السيسي - إيهاب عمر - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 11:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أذن .. فليسقط السيسي

نشر فى : السبت 26 أبريل 2014 - 5:15 م | آخر تحديث : السبت 26 أبريل 2014 - 5:15 م

بدأ كل شيء يوم 23 يوليو 1952، من أجل أن يحصل جوقة الضباط الشباب على شعبية في الشارع تتفوق على شعبية الشيوعين والإسلاميين وبعض القوى التقليدية مثل الوفد والأحرار والسعديين، كان لابد من تدليل الطبقة الوسطى، من أجل خلق تيار سياسي جديد أطلق عليه القومية العربية، ولكنه كان فجر الناصرية بامتياز.

استمر التدليل الناصري للطبقة الوسطى، عبر نزع المال والأرض من الأغنياء وإهدائها لأبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، فتفجرت براهين الغل الاجتماعي، وفي ليلة وضحاها، هجر الفلاحون الأراضي التي كانوا عمال بها، وباعوا الأرض ببخس الثمن من أجل اللحاق بأضواء المدن الكبرى في القاهرة والجيزة والإسكندرية.

تعلم المجتمع أن يدعي الشيء بينما هو يمارس عكسه، كل شيء جرى باسم الاشتراكية بينما ما كان يجري هو أفعال رأسمالية خالصة، فنزع ملكية الثروة من يد قلة لتوزيعها على عدد أكبر هو توسيع لقاعدة الملاك، بينما الاشتراكية تنص على مصادرة الأراضي بالكامل لصالح الدولة، ولكن هذا لم يحدث.

ثم ازداد الانهيار الاجتماعي والأخلاقي، حينما بدأ التدليل الناصري يفرز طبقة من الفساد أعتى من كل ما سبقها، هذه الطبقة تتألف من الجهلة والغوغاء والسوقة الذين راحوا يعتلون كل منصب وركن في الدولة باسم الثورة والاشتراكية، دون أن يكون لهم خبرة في ممارسة العمل العام، ولكن الفيصل كان التلون وتأليه قائد الثورة، ومندوب اتحاده القومي أو الاشتراكي لاحقا في كل مكان.

منذ فجر هذا التاريخ، لم يعد لدينا احترام للموهبة، أو للفكر، أو للتخصص، أصبح المجد للجهل والجاهلين وللجاهلية الجديدة، وأصبح الجهل وانهيار التعليم يجري برعاية من الدولة من أجل إبقاء المواطن في الحالة صفر، لا يرى ولا يفهم ولا يتكلم إلا في الاتجاهات المطلوبة منه فحسب.

والنتيجة أنه من المستحيل أن ترى في بلادنا الرجل المناسب في المكان المناسب، أو المسئول القادر على فهم حقيقة دوره، أو حتى الجهاز القادر على فرملة الفساد، فالفساد هنا لم يعد حكوميا، بل على العكس، أصبح الفساد شعبيا بامتياز، وأصبح الفساد الحكومي مجرد ابن له، ينحي له احتراما وقت اللزوم.

بلور جمال حمدان المشهد عبر مصطلح "مصر جنة الرجل المتوسط" الذي شرحه في كتابه شخصية مصر؛ حينما كتب: "واحد من أخطر عيوب مصر أنها تسمح للرجل العادي المتوسط، بل للرجل الصغير بأكثر مما ينبغي، وتفسح له مكانا أكبر مما يستحق، الأمر الذي يؤدي إلى الركود والتخلف وأحيانا العجز والفشل والإحباط. ففي حين يتسع صدر مصر برحابة للرجل الصغير إلى القميء، فإنها على العكس تَضيِق أشد الضيق بالرجل الممتاز، فشرط النجاح والبقاء في مصر أن تكون اتباعيًّا لا ابتداعيًّا، تابعا لا رائدا، محافظا لا ثوريا، تقليديا لا مخالفا، ومواليا لا معارضا، وهكذا بينما تتكاثر الأقزام على رأسها، ويقفزون على كتفها، تتعثر أقدامها في العمالقة وقد تطأهم وطئا" .

ثم إن تلك الرغبة في تمجيد الرجل الفاشل أو المتوسط لم تعد سرية، بل علنية، وأصبح رموز مجتمعنا في الإعلام والصحافة والثقافة والفن والدين والسياسة وكل شيء من الفشلة وعديمي الموهبة، ولما تعقّد المشهد أصبح تصدير الشعور بالدونية واحتقار الذات لاسم البلد هو الحل، فأصبح سباب مصر وتاريخها موضة الجيل.

وأصبح الموظف البيروقراطي عديم الإنتاج المتفاخر بذاته، الذي يظن أنه أوسم رجل في الكون، ويجب على جميع النساء أن تنفق عليه، وأن شقروات الغرب يزرن بلاده لكي يشاهدنه على الطبيعة، وأنه خسارة في تلك البلاد الفاشلة، وأنه لو اختار السفر للخارج لأصبح أسطورة، الفئات التي أصبح مقياس الاحترام بالنسبة لهم سيارتك ونوع هاتفك المحمول وربما معدل استخدام المصطلحات الأجنبية في حديثك، أصبح هذا الكائن غير المتجانس البليد هو النموذج الذي تعرف به بلادنا على مستوى العالم.

ثم ظهر على الساحة عبد الفتاح السيسي، يبدو الرجل أخطر مما يطاق، يتحدث عن حتمية أن نعمل وأن نستيقظ مبكرا، وأن مصر كان لها تاريخ وسوف تستعيده، بل إن اسم حملته "تحيا مصر" لا يساير الموضة الثورية ويحمل حب لا يطاق للبلد.

الناس تحبه بشكل يرهق أعصاب البعض، ويعد فيوفي بشكل محرج، فقد قال يوما لن يسمح لأخونة الجيش ونجح في ذلك، وقال إن الجيش سوف يحمي الدولة من الإرهاب أو تغيير هوية المجتمع ونجح في ذلك، ثم أنه استقال من الجيش وخلع البدلة العسكرية ونزل الانتخابات مدنيا، مما أربك حسابات البعض بأن يتم اعتباره عسكريا، هذا المكر السياسي جديد علينا، ويجب ألا نسمح له بالتمادي.

ثم أنه يفكر، كتب رسائل بحثية في جامعة حقيقية، ويتحدث عن مشاكل المصريين الحقيقية بشكل يحرج النخب، فاجتماعات الرجل مع أهل النوبة- على سبيل المثال- سببت إحراجا للمرشح الثوري الذي كان يجتمع مع وفد من شباب الثورة لوضع ميثاق شرف للانتخابات، ماذا يفيد بلادنا لو احتفظنا بالنوبة وخسرنا ميثاق شرف الانتخابات الذي سوف يضعه إحدى المرشحين ليفرضه على باقي المرشحين؟

ثم أنه يقابل خبير مصري هندس منظومة المواصلات في ألمانيا، من أجل الاتفاق على رؤى مماثلة عن الاحتباس المروري في مصر، هذا الرجل يفكر في مشاكل المصريين من أبناء الطبقة المتوسطة، وهو أمر خطير أن يكون هنالك بيننا من يسعى لذلك، إذ أنه يفترض للرئيس أو السياسي القدير أن يكون نخباويا، لذا رد المرشح الثوري سريعا بأنه سوف يسمح للإخوان المسلمين بالتظاهر رافعين شعار رابعة؛ إذا ما كانت التظاهرة سلمية، هكذا ردت النخبة الصفعة فورا، ثم أنه ما حاجتنا لشوارع غير مزدحمة طالما الإخوان المسلمين لن يستطيعوا التظاهر بها سلميا رافعين شعار رابعة؟

المشكلة أن السيسي يفكر في الناس، المفروض ألا يفكر الرئيس في الناس، المفروض أن يتعالى على الناس، وهل يمكن أن تغفر النخبة الخطأ الذي لا يغتفر حينما اتفق مع أكبر شركة عقارية في دبي على تشييد مليون شقة سكنية في عدد من التجمعات السكنية الجديدة لحل مشكلة الإسكان التي يعاني منها الشباب؟

هل يمكن للنخبة أن تغفر للرجل إصراره في الاجتماع مع الشركة الدولية أن تكون الشقة الواحدة 120 مترا وليس 60 مترا، وأن يختم رأيه بالقول إن 60 مترا غير آدمية للمصريين؟ ماذا قدم السيسي للحياة الحزبية والديموقراطية في مصر حتى يترك كل هذا ويفكر في مشاكل قلة من الشعب مثل مشاكل الإسكان، وما فائدة الشقة ذات الـ120 مترا؛ بينما الشعب الذي سوف يسكنها "عبيد بيادة"، ويعاني من الفاشية الشعبية كما تراه النخب؟

ثم أن هنالك نقطة الشعبية المؤلمة، السيسي يحصد نصف مليون توكيل في بضعة أيام، بينما مرشح الثورة يحصد 31 ألف توكيل بعد أن قام حزب البرادعي بمساعدته، وبعد أن قام المتعاطفون من الإخوان بمساعدته، وبعد أن مددت الدولة فتح باب الشهر العقاري حتى يوم الجمعة الإجازة الأسبوعية، وكاد البعض يطلب من الصين استيراد بعض التوكيلات الصينية كما جرت العادة مع أي شيء مزيف في بلادنا.

ثم إنه يشعر بكرامة وطنية تعارض مع فكرة أن هذه البلاد فاشلة، الرجل حينما أوصدت أمريكا بابها في وجه بلاده قبل باليد الروسية الممدودة! فعل لم نعتده في بلادنا بهذا الشكل العلني السافر، ثم إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبله باحترام، وهذا الأمر جرح مشاعر عشاق الموظف البيروقراطي، الذي ألهب الرئيس السابق محمد مرسي حماسهم وأشعرهم بأنه "واحد منهم" يوم استقبله بوتين في منتجع سوشي على هامش إحدى المباريات الرياضية، وذلك بين شوطي المباراة، وطلب مرسي من بوتين يومذاك قرضا ومواد نفطية "غاز وبترول"، ولكن بوتين رفض وأنهى اللقاء من أجل استكمال المباراة.

عاد مرسي لمصر وأعلن أن مصر لديها اكتفاء من الغاز والسولار ولسنا بحاجة إلى أحد، هذا هو الموظف البيروقراطي المتفاخر بنفسه الذي نريده، ولكن هذا الذي ذهب إلى موسكو لكي يعامل باحترام وغير موازين الشرق الأوسط، وأعطى للروس دفعة استراتيجية قبل موقعة القرم التاريخية التي أسقطت توازنات دولية سيطرت على العالم لمدة قرن كامل، كيف يمكن أن ننافسه في أي شيء مستقبلا؟ كيف نعتبره "واحد مننا"؟

النخب والإسلاميون وحتى فرق من الفلول تريد ذلك الموظف البيروقراطي، تريد "واحد مننا" قادرا على أن نلعب ويتلاعب بها ونتلاعب به من دون أن يكون حازما. هكذا، لديه الرغبة في النجاح بشكل مقلق.

ثم ماذا لو نجح السيسي؟ ألن يعري ذلك حجج البعض بأن البلد لا يوجد فيها شيء ناجح؟ ألن يؤدي ذلك إلى لوم الرئيس السابق محمد مرسي على فشله؟ وللرئيس الأسبق حسني مبارك على تدهور سنوات التوريث العشرة الأخيرة من حكمه؟ هل نقبل بإحراج أهم رموز الروتين والبيروقراطية في تاريخنا من أجل رجل لا يظهر في تاريخ الأمم إلا مرة كل قرن؟

هذا الرجل يجب أن يسقط، اليوم أو غدا يجب أن يرحل، ويجب على الدولة أن تنتج لنا ذلك الموظف البيروقراطي الذي يحافظ على مكتسبات التدليل الناصري والفساد الشعبي وتوازنات الإفلاس لدى النخبة ومنطق الشلة الذي يحكم كافة حسابات تلك البلد من أول بواب العمارة إلى رئيس الجمهورية.

جنة الإنسان المتوسط لا تحتمل المشير عبد الفتاح السيسي.

التعليقات