النمكى - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النمكى

نشر فى : الإثنين 4 مايو 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 مايو 2015 - 9:30 ص

بحثت عن أصل الكلمة فلم أظفر بشىء، والأرجح أن أصلها فارسى أو تركى، لكننى عرفت من صديق أن فى محافظة الغربية قرية تسمى «عزبة النمكية»، ربما نسبة إلى شخص ينتهى اسمه بهذه الكنية، أو بسبب حرص أهلها ودقتهم.

المهم أن الشخص النمكى وفق ما تعارفنا عليه، هو شخص يبحث دوما عن الكمال والإتقان، وفى بعض الحالات تتحول «النمكية» إلى حالة مرضية تشبه الوسواس القهرى، لكن دعونا نركز على الجانب الإيجابى فى التسمية، وستكتشف دون جهد كبير أننا صرنا نفتقد هذه النوعية بشدة فى كل مجالات العمل، من أستاذ الجامعة إلى جامع القمامة.

وبما أننا نحتفل هذه الأيام بعيد العمال، فدعونا نهمس فى أذن أصحاب الحرف والصنائع بعتاب المحب: غاب النمكيون وكثر الفهلوية.

كان العامل فى مصر الفرعونية حرفى بدرجة مبدع، وما تركه من نقوش على جدران المعابد هو نتاج ورش عمل جماعية، كما عمل النجارون والنحاتون وصانعو الفخار فى ورش ملحقة بالقصور والمعابد ومنازل النبلاء، ولم يدر بخلد هؤلاء أن يسجلوا أسماءهم على إبداعاتهم الفذة، كان ما يشغلهم هو أن يؤدوا عملهم بدقة وإتقان.

قفزا إلى بدايات القرن التاسع عشر، نعرف أن محمد على باشا تسلم حكم البلاد وأوضاع الصناعة فى حالة يرثى لها، يقول «شابرول» وهو من العلماء الذين رافقوا الحملة الفرنسية إلى مصر: «لا شىء يخرج من المصانع المصرية بدقة»، ويقول زميله «جيرار»: «المصريون يبدون كشعب يخرج من حالة الوحشية، إنهم لا يمارسون سوى الأعمال التى تحقق متطلباتهم الأساسية». وبعدهما بنحو ثلاثين عاما سجّل «إدوارد لين» فى موسوعته عن المصريين المحدثين أنهم «لهم قدرة على العمل الشاق فى ظروف صعبة، لكنهم لا يحبون العمل».

بعض هذا يعود إلى ما ذكره مؤرخون من قضاء العثمانيين على أكثر من 50 مهنة، وأن سليم الأول حين رحل عن مصر فى 1517، اصطحب معه نحو 18 ألف من العمال والحرفيين المهرة، عاد بعضهم، وفقا لـ«ابن إياس»، لكن أكثرهم لم يعد، وبقيت الصناعة حتى بداية القرن التاسع عشر فى حدودها الدنيا، بما يناسب مجتمعا زراعيا فقيرا.

وقد انتبه محمد على باشا إلى أهمية الارتقاء بأصحاب الحرف والصناعات، وتضمنت بعثاته إلى أوروبا إلى جانب دارسى الهندسة والكيمياء والطب، حرفيين وصنّاعا، كما أنشأ «فابريقات» فى كل أقاليم مصر، وشجع الصناعة المحلية، وكان له وكلاء فى عواصم أوروبا لتصريف منتجاتها، خصوصا صناعة الغزل والنسيج.

فيما بعد، وفى عشرينيات القرن العشرين، حمل العمال المصريون على أكتافهم مشروع طلعت حرب باشا فى الاستقلال الاقتصادى، وكان آلاف منهم يملكون أسهما فى المصانع التى عملوا بها، كما حمل هؤلاء ايضا على أكتافهم طموح عبدالناصر فى الاستقلال الوطنى، وبسواعدهم نجحت خططه الخمسية، وبإصرارهم صار السد العالى حقيقة لا خيالا.

منذ نهاية السبعينيات، جرت مياه كثيرة فى النهر، وكانت النتيجة تراجعا ملموسا فى نسبة العمال المهرة، وسيادة مرعبة لقيم الفهلوة والحداقة.

اليوم، وفى هذه المرحلة المهمة من تاريخنا، ومع وجود وزارة للتعليم الفنى، وإدراك لتطور سوق العمل والحاجة الماسة لعملية التدريب وإعادة التأهيل، واحتياجات المشروعات المتوقعة عقب المؤتمر الاقتصادى لعمالة ماهرة، نتطلع إلى واقع جديد تتراجع فيه قيم الحداقة والفهلوة، ويعود الصنايعى «النمكى».

كل عام وكل عمال مصر بخير.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات