نهم الاستيراد.. وعقدة الاقتصاد - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نهم الاستيراد.. وعقدة الاقتصاد

نشر فى : الثلاثاء 4 يوليه 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 يوليه 2023 - 7:20 م

منذ عدة أيام التقيت أحد المهندسين، وكان يبدو عليه التعب والإرهاق، قال لى إنه أمضى أكثر من ساعتين يمر على محلات فى عدة أماكن متباعدة، بغرض شراء شريط معدنى. بالطبع لا أعرف ماهيته أو طبيعة استخدامه، ولكن ما استرعى انتباهى أنه بسيط فى هيئته، ولا تدخل فى صناعته مكونات معقدة، ولا يوجد مانع فى رأيى من انتاجه محليا، ولكن استسهال الاستيراد، أدى إلى الاعتماد المفرط على استيراد هذا الشريط المعدنى من الخارج، وأصبح أكثر سعرا، وأقل توفرا فى الأسواق نتيجة تعثر الاستيراد فى العامين الأخيرين.
لم يمضِ وقت طويل، حتى التقيت بأحد التجار فى مجال الأدوات المكتبية، فقال لى أمرا مدهشا، إن كثيرا من الأدوات التى يجرى استيرادها لها بدائل محلية، وأعطانى عددا من الأمثلة مثل «الاستيك» و«المواد اللاصقة»، وغيرها، وقال لى إن المٌستورد عادة أفضل من المنتج المحلى من حيث الجودة، ولذلك يجرى الإقبال عليه. ولا أدرى لماذا لا نستطيع أن ننتج مثل هذه المستلزمات البسيطة بجودة عالية، وقد استطعنا انتاج أجهزة كهربائية بمعايير متقدمة.
بعيدا عن هاتين القصتين اللتين يبدو المغزى منهما واضحا، اشتريت بطارية جديدة للسيارة من تاجر أعرفه جيدا، وأثناء استعراض ما لديه، قال لى إن هناك بطاريات صنعت فى مصر، وأخرى مستوردة، وقال لى إن البطارية المصنوعة محليا جيدة، وأثبتت حضورها فى الأسواق. سمعت نصيحته، واشتريت المنتج المحلى. اللافت أن سعر البطارية المشار إليها أقل بما يقرب من أربعمائة جنيه من البطارية المستوردة، وهو منتج جيد، وعلمت من أصدقاء لى أنهم يستخدمون نفس المنتج المحلى دون أية مشكلات.
البداية الحقيقية للاستقلال الاقتصادى هو الكف عن الاعتماد المفرط على الاستيراد بالعملة الصعبة، والولوج بقوة فى مجال الإنتاج، وأن تملأ الأسواق بضاعة مصرية فيكون الصانع مصريا، والمشترى مصريا، مثلما يحدث فى دول أخرى، أما نحن فالأسواق تعج بالبضائع المستوردة خاصة من الصين، فيصبح البائع مصريا ولكن المنتج صُنع فى الصين، والناس تشكو من غلاء الأسعار.
فى الصناعة فوائد عديدة، ليس فقط تشغيل الأيدى العاملة، وتوظيف الكفاءات الفنية، ولكن أيضا الاعتماد على مدخلات محلية، والتقليل من تأثير تقلبات الأسواق العالمية، بل والاتجاه نحو التصدير مما يزيد من احتياطى الدولار لدى النظام المصرفى.
إن ما يشغلنى حقيقة أن الجدل حول الاقتصادى المصرى الدائر منذ شهور هو ذو طبيعية «مالية»، وليست اقتصادية، ليس المهم ــ فى نظر البعض ــ تطوير هيكل الاقتصاد، ولكن إصلاح الأحوال المالية، فى حين أن إصلاح الاقتصاد هو المدخل الحقيقى والمستدام لإصلاح النظام المالى.
بالتأكيد فإن الصناعة هى التى صنعت الدول، وتحول كل نشاط اقتصادى، حتى لو كان خدميا، إلى صناعة طالما أن فيها فكر، وإنتاج، وتسويق، وتطوير، وقد يكون مهما أن نفكر فى الصناعة، وإنتاج المواد الوسيطة، ولا نظل أسرى الاستيراد تحت وقع الكسل، والرغبة الشديدة فى التربح، وعقدة الخواجة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات