«ميسى بغداد»..  فيلم يحرز هدفا فى مرمى اليأس بقدم واحدة - خالد محمود - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 12:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«ميسى بغداد»..  فيلم يحرز هدفا فى مرمى اليأس بقدم واحدة

نشر فى : الأربعاء 8 مايو 2024 - 7:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 مايو 2024 - 7:00 م

 إلى أى مدى يمكن أن تتسمك بحلم فى بلد مزقه الحرب وأعاقه الإرهاب والخلافات المذهبية والطائفية؟

للوهلة الأولى الواقع يقول إن الصدمات حقا ستطفئ بريق الأمل وتعيق الحلم، لكنها السينما التى جعلت بطلنا الصغير هنا  صامدا ولم ينل منه اليأس لحظة.. وتلك قيمة فيلم «بغداد ميسى» الذى عرض للمخرج العراقى من أصل كردى سهيم عمر خليفة، ضمن مسابقة مهرجان مالمو للسينما العربية.

المشهد الأول نرى صورة مختنقة لبغداد التى لم تعد مكانا صالحا للحياة، بينما المشهد الكبير فى سياق تتبع قصة الصبى «حمودى» البالغ من العمر 11 عاما المهووس بلعب كرة القدم، ومثله الأعلى ميسى الذى يرتدى قميصه فى معظم أحداث الفيلم، وخلال اللعب مع أصدقائه يتعرض لحادث إرهابى؛ يفقد فيه إحدى ساقيه، كان المقصود هو سيارة أبيه انتقاما منه بسبب وظيفته كمترجم لشركة أمنية أمريكية تعمل مع المتمردين، بينما قسوة المشهد فى وقوع الحادث أمام أعين الأب، وهو الذى ينقله الى المستشفى وهناك لم يكن لديهم حل سوى بتر الساق، وعلى الرغم من انهيار حلم حمودى بأن يصبح لاعبًا محترفًا إلا أنه يتمسك بشغفه الكبير تجاه كرة القدم، والدته القلقة تحميه، وأبوه المذنب يشجعه.

ويتتبع الخيط الدرامى عبر سيناريو محكم كتبه مع المخرج روث ميلارتس وكوبى فان ستينبرج، كيف تضطر العائلة إلى مغادرة بغداد واللجوء إلى قرية والدة حمودى هربا من المطاردة بعد هذه الحادثة، وعبر حوار مفعم بالمشاعر نلمس الشغف الكبير لدى الصبى ورفاقه فى لعب الكرة ومتابعة مباريات الدوريات الأوروبية، عبر جهاز التليفزيون الوحيد لدى أسرة حمودى، فيما يتطلع هو وأصدقاؤه بفارغ الصبر إلى نهائى دورى أبطال أوروبا بين برشلونة ومانشستر يونايتد، تلك المواجهة التى طال انتظارها بين ميسى ورونالدو، والتى يفسدها تعطل تيلفزيون الأسرة، والتى ضاق العيش بها، وأحيطت بالتنمر، ليس فقط كون والد حمودى شيعيًا على أرض سنية، بل لإنه ملتزم بولاء تجاه قوات الاحتلال، وهو ما ينعكس بشكل سيئ لدى نظرة أهل القرية له، وهنا يجىء المأزق الكبير، حيث يحزن الصبى وتحاصر الأسرة بالديون، ويضطر الأب إلى المخاطرة بالذهاب إلى بغداد لإصلاح التليفزيون من أجل لحظات سعادة يعيشها الابن، كما يقرر العودة إلى عمله القديم، وأثناء العودة يقتل الأب أمام ابنه، فى مشهد مؤثر، يحث فيه الوالد ابنه على استكمال مسيرته دون خوف.

ويحمل حمودى التليفزيون متكأ على عصاته ويتفق مع أصدقائه على القيام بمغامرة لسرقة سلاح روسى من مناطق بقايا الألغام، وبيعه من أجل رحلة أخرى لإصلاح التليفزيون ومشاهدة المباراة كرة القدم.

 المخرج سهيم عمر خليفة يدعو فى فيلمه إلى الحفاظ على أحلام الشعب العراقى الضائعة، عبر سرده لقصة تصور المسار الفريد لصبى صغير مهووس بكرة القدم والذى سيفعل أى شىء للحفاظ على شغفه.

نعم عندما تبلغ من العمر 11 عامًا وتعيش فى بغداد، لا يمكنك إلا أن تحلم، حتى لو كانت الحياة محاطة بحرب شاملة؛ وفى بعض الأحيان تحلم بكرة القدم وأن تصبح ليونيل ميسى فى شوارع البلدة المضطربة.

 يصور المخرج مجموعات من الأطفال يركلون الكرة ويرفعون أذرعهم إلى السماء ويصرخون من الفرح، بالكاد لا يشاهدون سوى المبانى المدمرة من حولهم، وتتراكم بقايا عالم ما بعد الحرب مع كل مشهد يمر، بينما يواصل حمودى وأصدقاؤه الإيمان بتلك الكرة المستديرة الصغيرة والحياة التى لم تأتِ بعد، وهذا هو المسار الفريد لصبى صغير الذى اكتشفه المخرج الكردى المقيم ببلجيكا.

حلم حمودى يتردد صداه مع حلم الشعب العراقى؛ كيف تحافظ على الأمل وكل ما بداخلك ومن حولك قد تم تدميره وتقطيعه واعتداؤه؟، يستخدم سهيم عمر خليفة رحلة بطله لتوضيح معاناة هذا البلد وقدرته على الصمود فى هذا الفيلم الروائى الذى تم تصويره فى العراق، ولا سيما بفضل الفتى أحمد محمد عبد الله الذى جسد دور حمودى، ويضخ فيه كل عفويته وخبرته وشغفه.

يسلط فيلم «بغداد ميسى» الضوء أيضًا على المجتمع العراقى بكل تعقيداته، وهو يتصارع مع حرب الخليج الثانية، وكذلك يلقى الضوء أيضًا على الشقوق التى تقسم السكان.

فى نهاية المطاف، يكشف الفيلم النقاب عن بلد محطم يحاول إعادة البناء.. الحرب هى الظل.. صبى بساق واحدة محاط بأطفال آخرين.. شغف كرة القدم.. تفاصيل بالفيلم هى الأهم عن قسوة حياة أطفال فى عمر الزهور.

نعم.. فيلم مظلم فى كثير من تفاصيله الواقعية لا يوجد إنترنت ولا هواتف ولا مياه، لكن فى الأفق نور وأمل حيث تبدأ جراح الحرب فى الشفاء وإن كان شفاءً بطيئا.

قدم أحمد محمد عبد الله شخصية حمودى بإحساس خاص، وأداء أدهشنا، تجلى فى عدة مشاهد منها نظرته لأبيه «أثير عادل» عندما توفى بجواره، ونظرته لأمه «زهراء غندور» عندما سألته عن غياب الأب، وكيف تفاعل مع الكاميرا وغاص فى الشخصية وهو يلعب الكرة بقدم واحدة رغم تسببه فى خسارة فريقه، إضافة إلى مشهد قفزه فى حفرة لتفادى اللغم.

أما المخرج سهيم عمر خليفة المولود عام 1980 فى منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتى، فقد ظهر تأثير نشأته ولعل هذا ما يفسر عشوائية الأحداث التى لا تظهر أكثر من الحياة اليومية المضطربة، وهو لا يدفع قصته إلى أبعد مما هو واضح حيث يُظهر الفيلم دون إثارة كيف تستمر الحياة بنفس الخراب فى أماكن أخرى، لم يتخل المخرج عن تصوير الجانبين الحلو والمر فى حياة الشخصية الرئيسية لفيلمه، الصعوبات التى لا يشعر بها حمودى بالنظر إلى الواقع الصعب الذى يحيط به، وهو مأساوى وبطولى فى آن واحد، ويبقى الفتى ذو القدم الواحدة يدرك أنه ملك فى عالمه، وعليه أيضًا أن يدرك أن حكم لعالمه يتطلب التضحيات، وهو ثمن مرير يدفعه حمودى فى نهاية المطاف، رغم فوز فريقه وتسجيل بطله «مسى» هدفا غير مجريات المباراة.

الفيلم قدم من قبل كعمل قصير بنفس العنوان «ميسى بغداد» وحصد 60 جائزة عالمية، قبل أن يتم إنتاجه كفيلم سينمائى طويل، وکان للفیلم دور کبیر للقاء بطله الحقيقى على الزاوى بنجم نادى برشلونة الإسبانى لیونیل میسى.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات