لماذا لا يحبون أحمد زويل؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لا يحبون أحمد زويل؟

نشر فى : الخميس 4 أغسطس 2016 - 9:00 م | آخر تحديث : الخميس 4 أغسطس 2016 - 9:00 م
نحن فى مصر نتقن صناعة القداسة لبعض من يموتون وصناعة التشويه والتخوين للبعض الآخر، لا نستطيع أن نفصل بين المواقف السياسية للأشخاص وبين عطائهم وإنجازاتهم الأخرى، من يختلف عنا سياسيا نطمس كل فضائله ونشمت أحيانا فى موته ونودعه بالسباب والمعايرة واستحضار المواقف التى لا تروق لنا وتذكير الناس بها وكأننا نستكثر أن يترحم الناس على ميت أيا كان شخصه.

نحول الموت إلى سرادق للشتم والشماتة وفش الغل ونتجرد من كل ما يمت للإنسانية والدين بصلة، ونسقط فى غياهب التشوه الإنسانى، الذى يسيطر على مشاعرنا وكلماتنا، يستوى فى ذلك شخص الميت سواء كان سياسيا أو فنانا أو عالما أو كاتبا أو شاعرا، فكل شخص يموت له فريقان يقوم أولهم بشيطنته والثانى بتأليهه وتقديسه!

ننسى أننا بشر لسنا معصومين من الخطأ، ننسى أن اختلاف وجهات النظر بين الناس أمر فطرى، لا نتلمس لأحد عذرا، ولا نحسن الظن بمواقف قد تكون حدثت فى لحظات التباس التقييم وتخبط الرؤى وضبابية المشهد، لم يحدث هذا مع الدكتور أحمد زويل فقط ولكن مع كثيرين غيره.

***

يكتب المرء هذا المقال متألما وباغضا لهوس السياسة والتصنيف الذى أفسد حياتنا وحولنا لمجموعة من المتشوهين نفسيا، الذين يهدرون كل معانى الإنسانية من أجل التشفى فى فلان أو فلان.

إذا لم تكن تروق لك مواقف أحمد زويل السياسية فهذا حق لك وإذا كنت غاضبا منه بسبب مشكلة جامعة النيل فهذا أيضا حق لك، لكن هل لا يروق لك علمه واكتشافاته وإضافاته للبشرية، التى أسهمت فى تطور الحياة وتحديث مجالات علمية كثيرة؟ ألا تفخر بكونه مصريا حاز جائزة نوبل بسبب نبوغه العلمى؟

لا أحب كتابة مقالات الرثاء لكن الإنصاف يقتضى أن يسجل المرء شهادته عمن عرفهم والتقاهم يوما من أشخاص. عرفت الدكتور زويل عقب ثورة يناير ورأيت منه فرحة غامرة بالثورة وتأييدا لها. قال لنا أول مرة التقيناه فيها (لقد كتبت ثورة يناير شهادة ميلاد جديد لمصر، والثورة كانت قدرا محتوما حتى تخرج مصر لركب الإنسانية، وتلتحق بالعالم الحديث الذى تأخرت عنه، أعظم ما صنعته ثورة يناير أنها ولدت الأمل فى قلوب الناس وجعلتهم يؤمنون أنهم يستطيعون وأنهم لا يقلون شيئا عن الشعوب المتحضرة، التى تقود البشرية، أنا فخور بكل شاب وشابة مصرية كسروا حاجز الخوف وصنعوا ملحمة النجاح).

كانت آمال الرجل عظيمة وكان التفاؤل يملأه عقب ثورة يناير وكان يحمل بالفعل تصورا متكاملا عن إنجاح اقتصاد مصر بالعلم وصناعة التكنولوجيا، كان يغار من النموذج الهندى ويتحدث عنه بانبهار، ويقول لقد استطاع الهنود تصدر العالم واعتلاء قمة مجال تكنولوجيا المعلومات والشرائح الدقيقة، كان يتحدث عن الثروات الطبيعية التى تمتلىء بها صحارى مصر وأراضيها، ويقول كل ما ينقصنا هو ارادة وقيادة واعية.

***

رأى البعض فيه ثقة وغرورا وبحثا عن الذات لكن لم يكن يضايقنى ما يقولون لأن كل عالم يجب أن يعتز بعلمه وينتظر تقديرا له، وهذه طبيعة إنسانية. قال البعض: إنه كان طامحا فى رئاسة الجمهورية لكن اصطدم حلمه بالنص الدستورى لمسألة الجنسية الذى رأى فيه زويل أنه كان تفصيلا شخصيا ضده لحرمانه من هذا الحق، وأنا شخصيا لم أكن لأمانع من ترشحه؛ فهو عالم اطلع على النموذج الغربى الحديث للإدارة والحوكمة ويمكنه بقيادته لمصر نقل هذا النموذج وصناعة طبقة سياسية جديدة يدعمها تكنوقراط محترفين يقودون البلاد للنجاح.

اختصنى بالاختيار فى نهاية2011 للظهور بجواره فى حلقة تلفازية فى التليفزيون المصرى برفقة أسطورة الطب المصرى الدكتور مجدى يعقوب وآخرون، تحدثنا عن آمالنا لمصر وأحلامنا، وقال لى حينها أنتم الشباب وقود النهضة ومحركها الأساسى، أما نحن فدورنا أن نساعدكم بما تعلمناه لتبدأوا من حيث انتهينا.

***

لا أعتقد أن زويل كان مؤيدا لقتل أو ظلم، وما كان يعتقده البعض من قربه من مؤسسات الدولة ربما كان سببه الأول إدراكه أن أى مشروع نهضة علمى يجب أن تتبناه السلطة ولا تحاربه. فى رحلة مرضه التى تألمنا لها كان يقاوم المرض ويتحداه ويصر على الحياة ليقدم نموذجا للمثابرة والصبر على البلاء، وعقب الإعلان عن شفائه بدأ يعود لنشاطه ويحاول استكمال ما بدأه من مشروعات.

لا أشك أن زويل مات ومشاعر إحباط كثيرة كانت ترافقه وعبر عنها بمقولته الشهيرة (الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل )، وصدق زويل فيما قال فهذا ما نعانيه فى مصر منذ عقود طويلة تزايدت فيها العقول المهاجرة التى لم تجد بيئة ومناخا ملائما للإبداع فى مصر. مات زويل ولن يبقى سوى علمه وإسهاماته للإنسانية التى خلدها التاريخ، مات زويل وحلمه لمصر لم يكتمل، لكن الأمل فى تلاميذه وفى كل مصرى نابغة أتاحت له الأقدار تلقى العلم والتحصل على معارف جديدة قد تسهم فى انتشال بلاده من كبوتها.

لا نهضة لمصر بدون تعليم جيد ولا مستقبل بدون العلم. العلم الآن أقوى فى تأثيره من أسلحة الدمار الشامل، رحم الله زويل وعوض المصريين عن عظيم فقده.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات