سهراية على الدكة - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سهراية على الدكة

نشر فى : الإثنين 4 سبتمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الإثنين 4 سبتمبر 2023 - 7:55 م

منذ عهد مينا موحد القطرين، وحتى اللحظة الراهنة شكَّل أبناء محافظات صعيد مصر ذخيرة حية يتم استدعاؤها للدفاع عن هذا الوطن وقت الملمات، ولعب سكان المسافة الممتدة من الجيزة فى الشمال وحتى آخر نقطة تقف عندها أسوان بوابتنا الجنوبية، أدوارا لا تنكر، زمن الحرب، ووقت السلم، لتأكيد حضورهم جنبا إلى جنب باقى إخوانهم من أبناء هذا الشعب، الذى لا يزال يغنى المواويل حلما بغد يستعصى على التحقق.
لم يبخل أبناء صعيد مصر عن تقديم كدهم وعرقهم لتنمية ربوع مصر، هاجروا فى الداخل والخارج بحثا عن رزق حلال، يقيم الأود ويحفظ الكرامة ويصون الكبرياء، لكنهم للأسف ظلوا لسنوات أسرى أعمال درامية قاصرة تنظر بعين كليلة لا ترى فيهم سوى «ذئاب الجبل» وقصص الثأر، والجريمة، على الرغم من أن السواد الأعظم منهم أناس بسطاء لا يؤذون ذبابة.
قبل أيام هرعت إلى محافظة سوهاج، مسقط رأسى، للاطمئنان على قريب عزيز مر بعارض صحى يستحق الزيارة، وكانت فرصة للخروج من القاهرة بضغوطها الخانقة، إلى بيئة أكثر رحابة وأقل صخبا، بعيدا عن العراك اليومى مع حياة المدن بكل ما تمثله من لهاث لا يتوقف، وزحام ملوث يغلف سماء لا تعرف أرضها الهدوء، ولا يتوقف ضجيجها على مدار ساعات الليل والنهار.
وفوق مجموعة من الدكك التى وضعت فى ساحة فسيحة تتخلل بيوت عائلة تتشابه مع الآلاف من عائلات الصعيد، جلست ثلاثة أجيال عقب صلاة العشاء فى «سهراية» تلت ساعة من انقطاع التيار الكهربائى المجدول سلفا، والمعلن من وزارة الكهرباء، وقد حفزهم الضيف القادم على البوح ببعض ما هو مكنون فى الصدور عن المجتمع والناس.
على وقع احتساء أكواب الشاى والقهوة، انهمرت ألسن شريحة من أبناء نجع السواقى بجزيرة الشورانية أحد أكبر الجزر النيلية التابعة إداريا لمركز المراغة، والتى لا تزال أسيرة الماء الذى شكل عائقا لمئات السنين أمام اتصالها بالبر الرئيسى لليابسة سواء فى شرق النهر أو غربه، سوى عبر مراكب تتلاعب بها الأمواج، أو عبَّارة نيلية، تبقى لأخطاء بشرية، مصدر خوف يومى من وقوع حوادث، تزهق أرواحا وتسيل بسببها الدماء بين الحين والآخر.
قال الحاج عثمان الذى اقترب قطاره من عتبة السبعين عاما: لقد مللنا من المطالبة بإقامة كوبرى يربطنا بمدينة المراغة.. تلقينا العديد من الوعود، لكن الحلم يبقى بعيد المنال حتى الآن، بينما استدعى الجيل الأصغر سنا من الطلاب معاناتهم اليومية فى الذهاب والإياب إلى مدارس المراغة وكليات جامعة سوهاج.
ولأن الشورانية التى تضم 13 نجعا، ويسكنها عشرات الآلاف من الناس، ضمن الجزر النيلية التى يجب حمايتها بيئيا، عبَّر البعض عن هواجسه من أن يشكل الكوبرى المنشود، على الرغم من أهميته فى تسهيل حركة الانتقال، بوابة لقلب أوضاع المكان رأسا على عقب، بيئيا واجتماعيا، وأن تتحول أرض الجزيرة إلى مطمع لبناة الأبراج، ممن تمتد عيونهم إلى شريط البلدة الغربى المطل على النيل مباشرة، والذى لم يشهد، حتى اليوم، سوى حركة بناء تكاد لا تذكر، أقيمت مبانيها المحدودة فى غفلة من الأجهزة المحلية.
وعلى الرغم من استحواذ الحلم ببناء الكوبرى، وبطء تنفيذ مشروع الصرف الصحى الذى يتم فى إطار مبادرة «قرى حياة كريمة» وما يشوبه من ملاحظات، حيزا كبيرا من السهراية على الدكة، إلا أن المعاناة مع متطلبات الحياة كانت القاسم المشترك على ألسنة الحضور، شيبا وشبانا، فحديث الغلاء، وارتفاع الأسعار، خيَّم بظلاله على جلسة شهدت مفردات جديدة فى الكلام مثل ديون مصر الخارجية، وقرض صندوق النقد، وتعويم الجنيه.
ولأن الوقت قد أشرف على منتصف الليل وبعض الجالسين ينتظرهم يوم عمل شاق يبدأ مع غبشة الفجر الندى فى حقول الذرة الصفراء التى نضجت قبل أوانها بفعل موجة الحر الأخيرة، بدأ الحضور فى الاستئذان لأخذ قسط من النوم، لينفض السامر على أمل الحوار عن هموم الناس فى زيارة قادمة إن شاء الله.

التعليقات