فى رثاء عبد الناصر - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الخميس 30 مايو 2024 7:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى رثاء عبد الناصر

نشر فى : الإثنين 4 أكتوبر 2010 - 11:37 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 أكتوبر 2010 - 11:37 ص

 الموت لحظة فاجعة للبشر تجعلهم يتسامحون مع المتوفى إنسانيا، لكن عندما يتعلق الأمر بوفاة رئيس دولة فإن ردود الأفعال السياسية لا تعرف هذا القانون بل تختلف من شخص لآخر، وربما تباين موقف الشخص الواحد فى حياة الرئيس عنه بعد موته مباشرة.

فالشاعر أمل دنقل مثلا لم يمدح عبدالناصر حيا ولم يصفح عنه ميتا، فقد كتب فى 28 سبتمبر 1970 والجموع تنتحب هاتفة فى الشوارع «الوداع يا جمال يا حبيب الملايين» قصيدة عنوانها «لا وقت للبكاء» يستنكر فيها هذا المشهد قائلا:

تبكين؟ من تبكين؟
وأنت طول العمر تشقين،
وتحصدينْ مرارة الخيبةْ
وأنت طول العمر تبقين، وتنجبينْ
مقاتلين، فمقاتلين، فى الحلبةْ
أما الذنب الذى لم يستطع أمل دنقل غفرانه لعبدالناصر حتى فى ليلة وفاته، فيتمثل تحديدا فى هزيمة 1967 واحتلال سيناء، حيث يقول فى المقطع التالى:
الشمس (هذه التى تأتى من الشرق بلا استحياء)
كيف ترى تمر فوق الضفة الأخرى، ولا تجىء مطفأة؟
والنسمة التى تمر فى هبوبها على مخيم الأعداء
كيف ترى نشمها، فلا تسد الأنف؟ أو تحرق الرئة؟
وهذه الخرائط التى صارت بها سيناء
عبرية الأسماء
كيف نراها، دون أن يصيبنا العمى؟
والعار من أمتنا المجزأة؟

أما الشاعر صلاح عبدالصبور فلم يمدح عبدالناصر طوال حياته أيضا، لكن خلافه معه كان مبكرا جدا ومتعلقا بالدكتاتورية واعتقال الإخوان المسلمين والشيوعيين معا، حيث نشر فى ديوانه الأول الصادر عام 1957 قصيدة رمزية مدوية عنوانها «عودة ذى الوجه الكئيب» يشير فيها إلى ذلك القائد ذى الأنف المقوس الذى أقعى على باب المدينة يسأل سؤالا واحدا: من خالق الدنيا؟ وينتظر الإجابة:

الملتحون تهللوا، وأجاب رائدهم بصوت مستفيض:
الله خالقها! وهذا لا يصح به السؤال
وعوى أبو الهول المخيف، وقلب الوجه الكئيب إلى اليسار
ورمى بجمع الملتحين إلى الدمار
والأمردون تأملوا، وأجاب رائدهم بصوت مستفيض:
لا نستطيعْ! بل نحن نعرف! إنه قدم الطبيعة
وعوى أبو الهول المخيف، وقلب الوجه الكئيب إلى اليسار
ورمى بجمع الأمردين إلى الدمار
وتقدم الدجال والقواد والقراد والحاوى الطروب
وتضعضعوا! قالوا معاذك! أنت خالقها، أجل
أنت الزمانْ، أنت المكانْ، أنت الذى كانْ
أنت الذى سيكون فى آتى الأوان
وعوى أبو الهول المخيف وقلب الوجه الكئيب إلى اليمين
وأشار، ثم تواثبوا فوق الآرائك جالسين

وقد كانت مهاجمة عبدالصبور لعبدالناصر فى حياته أقسى وأشد فى مسرحه الشعرى، وبخاصة مع عشرى السترة فى «مسافر ليل» والسمندل فى «الأميرة تنتظر»، ثم مع الملك فى «بعد أن يموت الملك»، لكن كل هذا لم يمنعه من كتابة قصيدة منصفة فى رثائه عنوانها «الحلم والأغنية»، يقول فيها:

ونعيش فى أيامنا الملأى بيومك واسعا كالأمنيات
وضيقا بالصخر والشوك المدمى والرماد
أيامنا الملأى بأصداء انتصارك
سهمنا المسنون جاز مداه منتصرا وعاد
أيامنا الملأى بأوجاع انكسارك
أحد وبدر شارتين على رداء محمد، عاش الجهاد

أما الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى فقد تغنى بجمال عبدالناصر طوال حياته فى قصائد عديدة، وكتب فى أكتوبر 1970 قصيدة رثاء طويلة له تحمل عنوان «الرحلة ابتدأت» اختتمها بقوله:

إن رحلة حبنا ستكون حربا.. لا يقر لها قرار!

لكن الديوان نفسه يضم قصيدة أخرى كتبها الشاعر فى سبتمبر 1971 بعنوان «مرثية للعمر الجميل» يراجع فيها موقفه من عبدالناصر على المستوى السياسى، أما على المستوى الفنى فقد ألبس الشاعر فى قصيدته الأولى وجه عبدالناصر قناع الرسول الكريم سيدنا محمد، وخلعه عنه فى الثانية، ففى مقابل قوله:

يأتى غدا فينا!
ويكمل فى مسيرة شعبه المقهور دينه
قال:
هل هو الوحى؟ أم أنه الرأى يا سيدى والمكيدة
وفى مقابل قوله:
ينتظرون على مداخل دورهم أن يلمحوك مهاجرا
تلقى عصا التسيار تحت جدارهم يوما
وتمسح عندهم تعب الرحيل
قال:

هل كنت أنت الذى انتظرته المدينة،
هل كنت أنت؟
وفى مقابل قوله:
أو أنها هى ليلة الغار التى ستغيب فيها،
ثم تشرق فى المدينة
قال:
كيف أعرف أن الذى بايعته المدينة،
ليس الذى وعدتنا السماء؟!
والسماء خلاء،
وأهل المدينة غرقى يموتون تحت المجاعة

ولاشك فى أن عبدالناصر زعيم خالد، وأن الشعراء الثلاثة من أبرز الأسماء فى تاريخ الشعر العربى الحديث، لكنهم يمثلون بالتأكيد ثلاثة نماذج مختلفة على المستوى السياسى والإنسانى.

التعليقات