تفكيك قراءتين شموليتين وما وراءه - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تفكيك قراءتين شموليتين وما وراءه

نشر فى : الخميس 5 مارس 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الخميس 5 مارس 2015 - 8:15 ص
تلزم مواجهة أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب ومتوالياتها المترابطة الحركة الديمقراطية المصرية بالعمل فى مسارات متعددة ومتوازية.

تلزمها، أولا، بتفكيك قراءة منظومة الحكم / السلطة للأوضاع والأحداث الراهنة ــ القراءة الرسمية ــ التى 1) ترفض الاعتراف بالعلاقة العضوية بين السلطوية وبين التخلف والتطرف والإرهاب، 2) تنكر التداعيات الكارثية الواقعة على المواطن والمجتمع والدولة من جراء الخروج على الديمقراطية وإماتة السياسة كنشاط سلمى وحر وتعددى، 3) تستخف بانتهاكات الحقوق والحريات المتراكمة وتبررها عبر إحالات غير منضبطة لا أخلاقيا ولا إنسانيا ولا بحسابات حماية السلم الأهلى للمجتمع والدفاع عن تماسك الدولة الوطنية إلى «الحرب على الإرهاب»، 4) تتورط فى العصف بالعدل وسيادة القانون عبر الممارسات والإجراءات القمعية وعبر شرعنة «الاستثناء» كما فى طيف واسع من القوانين (قانون الكيانات الإرهابية والإرهابيين كمثال) والتعديلات القانونية (المادة 78 المعدلة من قانون العقوبات وتعديلات قانون القضاء العسكرى كأمثلة ليست أبدا فردية)، 5) تمرر احتكار صناعة القرار والسياسات العامة من قبل المؤسسات والأجهزة التنفيذية وفى مقدمتها الرئاسة والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، 6) تهمش عبر استراتيجيات التفتيت وأدوات الاستتباع البرلمان وتفقده من ثم وقبل أن يتشكل الاستقلالية والفاعلية لجهة الاضطلاع بمهام التشريع والرقابة وتجرده كذلك وبسبب تدخلات منظومة الحكم / السلطة المتكررة من مصداقية التمثيل الحر للناس.

تلزم مواجهة أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب الحركة الديمقراطية المصرية، ثانيا، بتفكيك قراءة أخرى للأوضاع والأحداث الراهنة تنتجها مجموعات فى الداخل والخارج 1) تبرر على نحو زائف أخلاقيا وإنسانيا، وبتناقض صارخ مع الصالح العام المتمثل فى حماية السلم الأهلى للمجتمع والدفاع عن تماسك الدولة الوطنية ومع حق الناس المقدس فى الحياة، لتوظيف العنف وحمل السلاح فى الصراع مع منظومة الحكم / السلطة وتزج ببعض مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات فى سياقات فاسدة.
ليس للديمقراطية ولا للديمقراطيين إلا التبرؤ الكامل منها، 2) توصف زيفا الإجرام الإرهابى وجرائم القتل وأعمال العنف التى تستبيح دماء المصريات والمصريين دون تمييز بالنعوت «الثورية» على نحو ينزع عن الانتفاضات الشعبية منذ 2011 ثوريتها النقية التى التزمت السلمية وطالبت بالكرامة الإنسانية والديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية ــ ولم تعرف البشرية من شرور تقضى على جميع هذه القيم وتفتك بحق الناس فى طلبها والتطلع إليها أخطر من التطرف والإرهاب شأنهما فى ذلك شأن الاستبداد والسلطوية، 3) تتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا ومقتضيات الانتماء الوطنى العقلانى ــ غير الشوفينى وغير المتورط فى الإنتاج المستمر لنظريات المؤامرة ومقولات التخوين ــ بممارسة «العمل السياسى من الخارج».
وبادعاء «معارضة» منظومة الحكم / السلطة من خارج الحدود، ومصر حقائق تاريخها وجغرافيتها أبدا لا تمكن من الدفاع عن حقوق الناس وحرياتهم ومن الاجتهاد للانتصار لكرامتهم وللديمقراطية ولسيادة القانون وللعدالة الاجتماعية إلا من داخلها وبالاقتراب اليومى من مواطناتها ومواطنيها الذين لا يرضون معارضة من الخارج كما لا يقبلون التوظيف الفاسد لحقوقهم وحرياتهم لتبرير العنف.

تلزم مواجهة أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب الحركة الديمقراطية المصرية، إذن، بتفكيك هاتين القراءتين الشموليتين، وبدحض مبرراتهما الزائفة والفاسدة، وبإنقاذ مصداقية مفاهيم وقيم حقوق الإنسان والحريات من وطأة شرعنة «الاستثناء» التى تروج لها القراءة الرسمية ومن كارثة نعت الإجرام الإرهابى وأعمال العنف «بالثورية» التى يتورط بها فى الداخل والخارج من يدعى معارضة منظومة الحكم / السلطة، والمعارضة هذه بمضامينها الديمقراطية والوطنية المصرية منه براء.

ومع العمل على تفكيك القراءتين الشموليتين، تلزم مواجهة أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب الحركة الديمقراطية المصرية أيضا بالعمل المستمر 1) لتوثيق انتهاكات الحقوق والحريات والمظالم المتراكمة، والدفاع عن الضحايا وجبر الضرر، ومصارحة الرأى العام بحقائق الانتهاكات والمظالم ومطالبته بالتضامن فى السعى لإيقافها ومحاسبة المتورطين فيها، 2) صياغة خطاب علنى يمزج بين الاعتراف بحتمية مواجهة الأزمات الأربعة وبين تقديم بدائل واقعية وقابلة للتطبيق للسياسات العامة المتبعة فى المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية وفى مجالات مواجهة الإرهاب والعنف.

وعدم الاكتفاء بالرفض الشامل أو بعموميات النقد المتصل دون بدائل يمكن أن يلتف حولها الناس أو بالاهتمام الأحادى بقضايا الحقوق والحريات وبقضايا السياسة الكبرى كالانتخابات البرلمانية ــ لا سيما وهذه القضايا الكبرى تفقدها منظومة الحكم / السلطة بقوانينها الاستثنائية وممارساتها وإجراءاتها القمعية المضمون الديمقراطى وتفقدها بذلك أيضا اهتمام الناس بها.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات