الحلم يبتعد والزمن يتـوارى - عزة كامل - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 11:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحلم يبتعد والزمن يتـوارى

نشر فى : السبت 5 مايو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : السبت 5 مايو 2012 - 8:25 ص

قد عهدت نفسى أن امتنع لبعض الوقت عن الكتابة فى قضايا المرأة لا لشىء إلا لأنى كنت أرجو أن تتيح الأيام شيئا من فراغ البال يمكننى من إمعان النظر والتعمق فيما يحدث من حولى من لغط وارتباك وأحداث متلاحقة تصيبانا بالأسى والإحباط.

 

إلى أين يجرجرون الوطن؟ تساءلت وأنا أرى الحلم يبتعد والزمن يتوارى، لم أستطع اجتياز منطقة الألم وأنا أرى جوارح تنقض علينا من سماء موصدة.. أصرخ من الهلع والوجع.. كابوس لا أستطيع اجتيازه، أصغى إلى صوت يدفعنى إلى منحدر.. ما الذى يجعل الظلام مخيف وخباء الموت يفتح فاه، غزاه هبطوا علينا فى غفلة منا، لعل أحد فى بر مصر اليوم لم يحترق بالتعصب والتشدد الدينى كما تحترق المرأة المصرية الآن.

 

لم تحظَ امرأة بمثل هذا الهجوم الشرس منذ الثورة مثل ما حظيت به عزة الجرف سواء من النساء أو من الرجال منذ أن ظهرت تحت قبة البرلمان، فقد طالبت بإلغاء وتعديل سبعة قوانين: (الخلع، قوانين الطلاق والزواج والرؤية والاستضافة والولاية التعليمية، خفض سن الزواج، وقانون يلزم الأب بإجراء عمليات ختان للبنات).. هذا غيض من فيض.

 

ألم تفكر «عزة الجرف» نائبة الحرية والعدالة ــ عندما طرحت إلغاء وتعديل هذه القوانين ــ فى النساء المصريات اللاتى يعانين فى أروقة المحاكم من طلب الحصول على الطلاق ونفقة لهن ولأولادهن، نتيجة لتعنت الزوج وتهربه من النفقات أو تخفيضها بتقديمه مفردات مرتب غير مرتبه الحقيقى، فتحصل منه على الفتات الذى يجعلها فى فاقة وعوز دائمين، ألم يفكر النائب حمادة محمد سليمان نائب حزب النور، وهو يقدم القانون الذى ينص على إلغاء حضانة النساء للولد ببلوغه 7 سنوات والبنت 9 سنوات على أن يخير الأطفال بعد ذلك فى أمر الحضانة، وأن يتم استبدال حق الرؤية بحق الرعاية المشتركة للصغير والصغيرة والأجداد على أن تعود الولاية العامة خاصة التعليمية للأب ،أى أن التعديلات التى تمت على القانون هى لصالح الرجل بامتياز ولا تأخذ فى حسبانها مصلحة الطفل الفضلى.

 

والمشروع لم يستند على حصيلة فتح جدل مجتمع واسع حول هذا الموضع، ولم يستند على دراسات متعمقة من المعنيين بالأمر من الفقهاء وكبار العلماء والخبراء ولم يستند إلى آراء المجتمع.

 

فالأفكار المتشددة التى تسربت إلى تيار الإسلام السياسى غدت هى التى تحكم العلاقة بين الرجال والنساء وكذلك بين المسلمين وغير المسلمين، وأدت إلى انتشار مظاهر الردة الفكرية والاجتماعية، هذا التيار الذى جاء للبرلمان، واعتمد بناء منظومة فقهية شديدة الانغلاق والتحجر، تسوغ لخطاب يركز فقط على البعد الأخلاقى ويحوله إلى هاجس وعقدة ويحيل الحيز الأكبر من الجدل والصراع والاختلاف حول «السفور والتبرج، الفصل بين الجنسين فى قاعة الدراسة وأماكن العمل، ختان الإناث، زواج القاصرات، المصافحة، غض البصر..) باختصار خطاب يشىء المرأة ويختزلها فى بعدها الجنسى.. ويختزل قضايا الوطن فى المرأة والجنس، وأغرب ما سمعناه يثير الاشمئزاز فى النفوس هو الاعتزام مناقشة قانون يسمى «مضاجعة الوداع» فى اللجنة الدينية التى تسيطر عليها الأغلبية فى البرلمان، كأن المرأة هى هاجسهم اليومى، باعتبار تعذيبها وإذلالها وإهانتها حتى وهى جثة هامدة وسيلة للتكفير عن خطايا البشر وسبيلا لخلاص الروح.

 

●●●

 

هل أفلس البرلمان؟

 

لماذا يحاول رجال ونساء تيار الإسلام السياسى فرض تشريعات تكون أكثر ملائمة مع مصالحهم الضيقة؟، ولماذا يهرولون بشغفهم المهموم وكلامهم المضلل لزيادة الانهيار على كل الأصعدة؟

 

فنواياهم قد خلت من أى نفحة طيبه تجاه تحقيق أهداف الثورة، يريدون ألا يشاركهم أحد فى كرسى السلطة أو أن يتقاسم معهم الغنائم أو يلتمس أحدا لنفسه معهم مأمنا ومأوى.

 

والذين يظنون أن الثورة قد حملت إلى عقولنا خيرا خالصا وإلى قلوبنا ملاذا أمنا يخطئون، فقد حملت الثورة إلى عقول بعضنا شرا غير قليل، لم يأت منها هى، وإنما أتى من إن البعض لم يتعمق فى أسبابها وأسرارها ودقائقها، وحاول تطويعها لأهدافه وإيديولوجيته الضيقة، وهؤلاء هم ضحايا جهلهم ،أثروا الطريق السهل وابتعدوا عن الصواب، والتفانى فى مصلحة الوطن من أجل مصالحهم الشخصية.

 

إن دور الدولة هو إقرار العدل فى الدنيا وضمان حقوق المواطنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال القانون والدستور لا من خلال تفسير للشريعة قائم على التمييز والقهر ضد المرأة ولا من خلال قيم وأخلاق أيديولوجية دينيه تعمل على تقليص حقوق المرأة وحبسها داخل جسدها بدعوى احترامها وحمايتها.

 

فهذا التيار الدينى يتعامل بانتهازية شديدة مع النساء، ألم يحشد هذا التيار ويدفع بالنساء تحت الخمار وبين لفائف الحجاب لانتخاب ممثليهن فى البرلمان والشورى بعد أن اكتشفوا دور المرأة السياسى فى عملية التصويت.

 

كيف ننهض اجتماعيا واقتصاديا والبرلمان يسعى إلى تقليص تعليم المرأة نصف المجتمع وتحويلة إلى آلة للإنجاب بمطالبته بتخفيض سن الزواج، ووضع ولاية التعليم فى أيد الرجال، كيف سنفلت من محدودية الجسد ونحن نطالب بختان الإناث الذى يمثل جريمة وانتهاك خطير لجسد الأنثى وصحتها النفسية والبدنية.

 

ألم نتعلم من تجارب أنظمة حاولت فرض الشريعة بالقوة مثل السودان عندما زحفت موجة الأسلمة عليها منذ أوائل الثمانينيات وبدأ التيار الذى يسيطر على مقاليد الحكم منذ عام 1983 يلتزم بتفسير للشريعة قائم على التمييز ضد المرأة كمواطنة فقد تم التركيز على تغيير وضع المرأة فى مجال قوانين الأحوال الشخصية، التعليم، الالتزام بالزى الإسلامى، التوظيف، مما أدى إلى تدهور وتراجع ملحوظ فى أوضاع النساء، وبناء عليه فقد تم سن عدة قوانين عرفت بقوانين «سبتمبر سيئة السمعة» والتى سمحت بسيادة وجهة نظر الجبهة القومية الإسلامية وتفسيرها للشريعة على ما عداها من التفاسير مما أدى إلى إلغاء معظم المكاسب التى حصلت عليها المرأة من قبل، وكان من أبشع القوانين التى صدرت فيما بعد عام 1991 قانون «الظهور فى المنتديات العامة» الذى بمقتضاه تم جلد آلاف الشابات والنساء السودانيات لمجرد أنهن يرتدين البنطلونات بدلا من الزى السودانى الإسلامى.

 

●●●

 

والسؤال الآن لمرشحى الرئاسة الذين يملأون الفضائيات والصحف بتصريحاتهم ماذا ستفعلون تجاه هذه الهجمة الشرسة على قضايا وحقوق النساء التى تدبح على مرأى ومسمع من الجميع تحت قبة البرلمان من تيار يمارس نفس القمع الذى مورس عليه من النظام السابق، ماذا ستفعلون بقوانين سوف تأكل مشروع النهضة وتقوض بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.

 

فصوت واحد فقط يرتفع، يعلو ويهبط، أنه صوت الزاحفين باسم الله اللذين تتسلل أصفادهم لتلتف حول أعناق وأجساد النساء.

 

من عمق المجهول أرى حشودا من النساء تتدفق نحو ألسنة اللهب مشرئبات يدفعن غيوم النار وتشظيها، ينفض عنهن البغض والكره والعتمة، يعترضن الوهم المغبش الكاذب بقلب ينبض فى خيلاء وعزة، يتحدين الكتلة البشرية التى تخرج من أزقة مأهولة بالغدر والنفاق، الدموع تمور فى عيونهن، وهن يقاومن بحَّة فى حلقوهن لا تفارقهن، هل تتساقط أحلامهن فى هوة التسبيح والادعاء الكاذب، هل تنسحق أيامهن تحت فتاوى وجهل من يدعون الفضيلة، ويملكون مفاتيح عبور السماء إلى أبواب الجنة، هل يتناثر رماد أجسادهن ويرف كرفيق النحلة الدائخة، يرددن نحن لسنا سقط متاع، لسنا جوارى.

عزة كامل كاتبة مصرية
التعليقات