النِّقاوة في سُنَنِ الله! - بلال فضل - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النِّقاوة في سُنَنِ الله!

نشر فى : الأحد 5 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 5 مايو 2013 - 8:00 ص

هل خلق الله سُنَنه في الكون لكي يقوم الإخوان المسلمون بالنقاوة منها، فيختاروا منها ما يحلو لهم، ويهملوا منها ما لا يتماشى مع أهوائهم السياسية؟.

 

تنظر إلى كبيرهم المرشد محمد بديع وهو يخصص إحدى رسائله الأسبوعية للحديث عن سُنَن الله التي وضعها كقواعد لتنظيم الكون وضبط حركة الإنسان في كل زمان ومكان، وعن ضرورة أن يقوم الإنسان بالتعلم من هذه السنن والإستفادة لكي لا يصيبه الفوضى والإضطراب والتأخر واليأس والقنوط، فتظن أنه اختار أخيرا طريق الإعتراف بالخطأ والنقد الذاتي وأنه سيدعو أنصار جماعته إلى مراجعة شاملة لكل ما اقترفوه من خطايا سياسية طيلة الفترة الماضية، لكنه يخيب ظنك كالعادة عندما يُحَوِّل حديثه عن سنن الله في الكون إلى تبرير ديني لخطايا الإخوان بكلام من نوعية أن «الأمم لا تغير واقعها إلا بعد أن تغير ذاتها فكل أمة إنما هي نتاج لتحدي الظروف التي واجهتها» و«مسئولية أن يقوم الشعب بواجباته كما يطالب بحقوقه فالمسئولية مشتركة» و»إن قامت الأمة بواجباتها وأحسن استخدام حقوقها أصلح الله الراعي والرعية»، وما إلى ذلك من عبارات إنشائية تخدم التوجه الإخواني الأكثر إنتشارا الآن والذي يتملص فيه الإخوان من تحمل مسئولية فشلهم وكذبهم وعجزهم عن الوفاء بما إئتمنهم المصريون عليه، ليجعلوا الشعب مسئولا معهم عن ذلك، كأن الشعب هو الذي يمتلك السلطات والصلاحيات، وكأن الشعب هو الذي كذب في وعوده الإنتخابية وليس محمد مرسي.  

 

تقرأ رسالة المرشد لأنصاره فتجد فيها تفسيرا لكل ما يصادفك من قدرة مدهشة لدى أتباع المرشد على تلبيس الحق بالباطل، فتقول «حقا من شابه مرشده فما ظلم». نعم، القول بأن الشعوب لا تغير واقعها إلا بعد أن تقوم بتغيير ذاتها هو قول حق دون شك، لكن ترديده دون وضعه في سياق أشمل يجعله باطلا أبلجا لا لجلجة في تمييز زيفه، فعندما وصل الإخوان إلى الحكم لم يحكموا شعبا لم يقم بشيئ من أجل تغيير واقعه، فالملايين من أحرار المصريين سعوا لتغيير ذاتهم ودفعوا تضحيات غالية من أجل أن يحصلوا على أحلامهم في الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية، بعض هؤلاء إنتخب الإخوان أملا في أن تعرضهم الطويل للظلم سيمنعهم عن ظلم الناس، وبعضهم اضطروا لإنتخابهم لكي تبقى جذوة الثورة مستمرة ولا يُعلَن وفاتها رسميا بفوز من جاهر بعدائها، وبعضهم قاطع الإنتخابات لكنه عندما وصل الإخوان إلى الحكم كبت بداخله مخاوفه أملا في أن يخيبوا ظنه، وحتى بعضهم ممن انتخب شفيق كراهية في الإخوان وليس كراهية في الثورة ظل يراقب ما يحدث بحذر متمنيا أن تنصلح أحوال البلاد، هذا ما فعله هؤلاء، فما الذي فعله الإخوان وما هي سنن الله التي أخذوا بها منذ حكموا وحتى قرر رئيسهم أن يشق صفوف المصريين؟، لماذا لا يقول لنا مرشدهم أي سنة من سنن الله توصي عباده بالكذب وإخلاف الوعود ونقض العهود؟، وأي سنة من سنن الله مثلا توصي بإختيار رئيس وزراء ضعيف الشخصية يسهل تحريكه من مكتب الإرشاد بدلا من إختيار الأكثر كفاءة وقوة وحنكة في وقت خطير لا يحتمل التجريب ولا العبث؟.

 

إذا كان مرشد الإخوان مهتما حقا بسنن الله في الكون فلماذا ينسى أن من أهمها أن «ما بُني على باطل سيقود حتما إلى باطل»، ولذلك فكل ما تحاول جماعته الآن بناءه سينهار لأنه مبني على دستور تم تمريره بالكذب وإخلاف الوعود والدم، وأن من سنن الله في الكون أن من أعان ظالما سلطه الله عليه، لأن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولذلك يكون واهما من ظن أنه سيتمكن من الإصلاح في الأرض بإستخدام أجهزة قمعية اكتوى هو مرارا بنارها، لأنه مثلما فشل قمع هذه الأجهزة في إخفائه من الوجود، فإنها لن تخفي من الوجود أصوات وأفكار من يعارضونه الآن، بل سيزيدهم قمعها قوة وصلابة وقدرة على التنظيم والتماسك، وسيكونون شوكة دائمة في حلقه مثلما كان هو شوكة في حلق الأنظمة التي حاولت قمعه، لكنه هذه المرة هو الذي سيدفع الثمن، لأنه هو الذي يحتل موقع السلطة وهو من ينتظر منه الناس أن يحل مشاكلهم المعقدة المتراكمة.

 

جميل أن مرشد الإخوان لا زال يتذكر أن من بين سنن الله في الكون «تداول الأيام بين الناس»، لكن الأجمل أن يشير لنا إلى قرار واحد يؤكد أن الإخوان يضعون هذا التداول في حسبانهم، وهم يُرَبُّون في كل لحظة عداوة ثأرية مع أجيال شابة أصبحت مستعدة لإرتكاب حماقات تخالف مبادئها إنتقاما لخيانة الإخوان لدمائها. جميل أن يقول لنا المرشد أنه «عندما تخلى بعض الصحابة عن بعض أسباب النصر كانت الهزيمة نتيجة عدم الأخذ بالأسباب ومخالفة السنن، فإذا ما عولجت الأخطاء عادت سنن النصر»، لكن الأجمل من هذا الكلام الإنشائي أن يعلن لنا هذه الأخطاء ويتراجع عنها بشجاعة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين لا يكف هو وإخوانه عن التمسح بهم. جميل أن يقول المرشد لإخوانه أنه «إذا قصرت الأمة في واجب النصيحة عوقبت بالقيادة الظالمة»، ولكن الأجمل أن يخبرنا بنصيحة واحدة أخذت بها الجماعة من بين كل طوفان النصائح الذي ظل ينهال عليها لسنوات.

 

لا أدري إذا كان مرشد الإخوان هو الذي يكتب رسالة المواعظ التي تذكرنا بذلك الثعلب الذي نحكي لأطفالنا أنه «وقف يوما في ثياب الواعظين»، لكن ما أدريه أنه لو قرأ الرسالة التي تحمل توقيعه وتأمل فقط في سطر واحد منها يتحدث عن واحدة من أهم سنن الله في الكون وهي أن «الجزاء من جنس العمل»، لأدرك أن كل ما لاقاه الإخوان وما سيلاقونه لم يكن إلا جزاءا من جنس عملهم، وقد كان عملهم عملا أسود ومهببا بهباب، فحق عليهم جزاءٌ من جنس عملهم ولونه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

belalfadl@hotmail.com