الإسلام كما أدين به - 18- المسلم والقرآن الكريم - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به - 18- المسلم والقرآن الكريم

نشر فى : الخميس 5 مايو 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الخميس 5 مايو 2016 - 10:05 م
ــ1ــ

القرآن الكريم هو آخر وحى إلهى أنزله الله جل جلاله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يقتصر القرآن على الشعائر والأحكام، بل اتسع القرآن اتساعا مبهرا وعجيبا فضم شرائح متعددة من «المثل الأعلى» (النموذج المرضى لله) فى أساليب الحياة سواء فى بناء شخصية الفرد من سمات الأمانة والطهارة والصدق واليقظة والتسامح، أو فى آداب المعاملات الأسرية كالمودة والرحمة والرعاية ((..وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة وَرَحْمَة)). كذلك أضاف القرآن ضوابط العلاقات فى المجتمع مع الجيران وزملاء العمل: ((..وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ..)). كذلك أكد القرآن الكريم أخوة جميع البشر فهم جميعا أبناء آدم وحواء ((.. إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..))، فالأصل فى علاقات الشعوب والأمم التعارف والتواصل والتكامل، وإلا فكيف يمارس المسلم دعوة الغير إلى دين الإسلام إذا لم يكن هناك تواصل وحسن معاملة؟!!!

ــ2ــ

والذين يقرأون السيرة النبوية أو الحديث النبوى دون تفقه فى القرآن فيظنون أن الدعوة تمارس بالقتال، فهذا فهم خاطئ للقرآن وللسنة النبوية وللإسلام كله. إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهاجم أحدا ليفرض عليه الإسلام، وما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم محاربا إلا حربا دفاعية أو استردادية لاسترداد ما سلبوه من المسلمين لا غير. فالمسلم مأمور بأن يعيش قويا مستعدا لصد أى هجوم ورد أى عدوان. كما أن المسلم مأمور بأن يبلغ فى استعداده الحربى مدى بعيد، ويعلن ذلك ويشهره ليفرض على الآخرين التروى وعدم المغامرة بالعدوان. وهكذا يرتاح العالم من الحروب ويعيش سلاما ورفاهية.

ــ3ــ

يضم القرآن أيضا ملف المبادئ التربوية اللائقة ببنى الإنسان إذ نرى فى القرآن آداب القلوب، وآداب النفوس، وآداب اللسان من القول (المعروف/ الحق/ السديد/ اللين/ الكريم/ الميسور/ البليغ إلخ). وترى فى القرآن الكريم ضوابط الحواس والجوارح مثل قوله تعالى: ((وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجا مِّنْهُمْ..)) و((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..)) إلخ. وكثير من الآداب التى تشكل فى مجموعها «المثل الأعلى» المحبب لله. كما تمثلت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استحق أن يمدحه الله بقوله الكريم ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )).

ــ4ــ

وإذا اضطر المسلم للحرب فهو مأمور بقيم عليا وضوابط لا يستطيع أن يتجاوزها، وقد احتوى القرآن أهم تلك المبادئ، فلا مبادرة بهجوم وعدوان، ولا تمثيل بالمغلوب، وضرورة الحفاظ على الأسرى حتى نهاية الحرب ثم تحريرهم إما بدفع الفدية أو المبادلة أو سماحة وكرما كما قال تعالى: ((..فَإِمَّا مَنّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا..)). كذلك فليس للمسلم المبالغة فى الانتقام، فإن الحد الأقصى للرد هو مماثلة فعل التعدى دون تجاوزه: ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ..)).

ــ5ــ

قصدت من لقاء اليوم إعادة توجيه النظر إلى خير كتاب على ظهر الأرض ألا وهو القرآن الكريم. إنه ليس كتاب طقوس تعبدية فحسب، بل هو مجموع السلوك الحضارى الذى يكفل للإنسان –أى إنسان ــ أن يعيش فى سلام، كما يضمن للكون كله إعمارا دائما وصلاحا مستمرا. ولهذا فأنا شديد العجب من هؤلاء الذين تطاولوا على الله جل جلاله وعصوا رسوله صلى الله عليه وسلم وهجروا القرآن واعتدوا على سنة النبى بالتأويل الفاجر والتفسير الجاهل حتى أصبحت كل الأمم تقارب السلام وتبحث عنه بينما هؤلاء ــ حسب فهمهم المحدود وتدينهم المنقوص ــ يحملون السلاح ويشوهون رسالة السلام الإلهى للبشر.

يتبع
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات