رمضان بين التأمل والتواصل - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رمضان بين التأمل والتواصل

نشر فى : السبت 5 يوليه 2014 - 5:00 ص | آخر تحديث : السبت 5 يوليه 2014 - 5:00 ص

عزيزى القارئ : كل عام وأنت بخير، إذ يحل شهر رمضان المبارك هذا العام فى وقت الاستقرار النسبى لمصر بعد ثلاث سنوات من التوتر وعدم الاستقرار، البعض متفائل والبعض الآخر متشائم والبعض الأخير يتراوح بين الاثنين، لكن فى الغالب الأعم نرى المصريين يتطلعون إلى مستقبل أفضل، وشهر رمضان وقت راحة روحية ومتنفس وهدوء وتأمل، ونحتاج فعلاً إلى التواصل أكثر مع الله فى العبادة، ولا تواصل حقيقيا مع الله دون تواصل مع الآخر المختلف، والآخر المختلف الآن فى مصر تعدد وتنوع وتصاعد وتلون، بحيث إنك لا تعرف من معك اليوم ومن ضدك والذى كان معك صار ضدك، والبعض كان متسامحاً صار متطرفاً والعكس صحيح، فالآخر بالنسبة للرجل هو المرأة والعكس وهناك الآخر الدينى والآخر المذهبى والآخر السياسى والآخر الثقافى والآخر الاجتماعى والطبقى ...إلخ.

إذن المهم أن ندرك أهمية الآخر كثروة فى المجتمعات التى تقوم على التعدد، ونحن نخرج من مرحلة ما بعد الربيع العربى الذى دخل غبارية سلبية حجبت الكثير عن الآخر المختلف، نحتاج إلى بذل الجهد لنبدد هذا الغبار. وهذا الجهد لابد وأن يبدأ بأن نعرف أكثر وأوضح رفاق الطريق لتحقيق دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على الأخلاقيات الدينية وحقوق الإنسان، وهذا لا يتم إلا باحترام الآخر لأنه مختلف بغض النظر عن رأينا فيما يتبناه من أفكار ذلك لأنه فى صميم الاختلاف يأتى الاحترام ليساعدنى على الخروج من الخطأ الذى فيَّ أو يجعل الآخر يدخل إلى صوابى. والحوار على موائد الإفطار أو بعدها أو قبلها ليس هو النوعية التى نحتاجها، فالحوار مغامرة نعترف فيها بأمرين، الأول هو أن الاختلاف من طبيعة الأشياء، وأن يكون الآخر مختلفاً فهذا من حقه الأصيل ومن حقه أن يعيش اختلافه بكل ملئه ويعبر عنه بكل حرية. والثانى أننا لا نملك حق التفتيش فى ضمير الآخر المختلف، لأن الحقيقة ليست ملكاً حصرياً لأحد مهما كان علمه أو فهمه، وعلينا أن نبحث عن الحقيقة فى الرأى المختلف. فمن المحتمل أن نجد الحقيقة موزعة بين أكثر من رأى مختلف، ويمكننا جمعها من آراء متعددة وليس رأياً واحداً بعينه، لذلك علينا أن نحترم كل الآراء المختلفة عنا. وهنا نقول إن الاختلاف والحب صنوان لا يختلفان، وإذا كان ذلك كذلك سوف يصبح اختلافنا أعظم اختلاف فى العالم وأكثره فائدة لنفوسنا ولوطننا ولمستقبلنا ولكى يتم ذلك الحوار بصورة رائعة وحقيقية ومخلصة فلابد للحوار أن يجعلنا نعيد اكتشاف ذواتنا من الداخل وذلك بمراجعة بعض المسلمات، ومراجعة بعض المسلمات تقودنا وتخرج بنا من نعيم ما كنا نعرفه إلى تحديات ما عرفناه. فالمعرفة خلال الآخر تتحدى ما نعرفه عن ذواتنا وعندئذ فقط نتعرف بعمق على ذواتنا عبر الآخر ومن خلال ما يتميز به و هذا لا يتم إلا بالاحتكاك اليومى والتقارب.

فالحوار مع الآخر يؤدى إلى الإيمان بالاختلاف والإيمان بأهمية وجود الآخر لى لأننى أعيد اكتشاف ذاتى فلا توجد ذات بدون آخر، فعدم وجود الآخر ينفى وجود الذات والعكس صحيح، لذلك كلما أعطينا مساحة للآخر نكتشف أنفسنا أكثر ونكتشف الآخر وهنا تكتمل المعرفة التى بدونها لا يسود الاستقرار ولا يتحقق الإيمان، لذلك علينا أن ندرك أن الحوار ليس هدفه إلغاء الاختلافات أو إقناع الآخر بما أؤمن به لكن الحوار يكشف عن الاختلافات بهدف احترامها مع اكتشاف جمالات التعدد، فالزهرة الواحدة رغم جمالها لا تصنع ربيعاً والعصفور الوحيد رغم رقته لا يصنع جنة فيحاء والعزف المنفرد رغم إتقانه لا يقدم سيمفونية.

•••

إذاً ماذا نستطيع أن نحقق من وراء الحوار المستمر مع الله والناس فى هذا التوقيت بالذات؟ بداءة علينا أن ندرك نحن أننا لا نطمح إلا لاستعادة قيم الايمان للحياة العامة وحيويته العملية فى بلادنا مصر سواء فى السياسة

أوالتربية، وعلينا أن نركز على هذا الأمر فى هذا الشهر الكريم سواء فى المساجد أو الكنائس أو التجمعات الثقافية أو السياسية أو التربوية أو الاعلام ... إلخ. ذلك مع اعتماد مبدأ المواطنة فى الدولة المدنية التى تصون حرية الاعتقاد دينياً ومذهبياً وسياسياً وثقافياً وتصون أيضاً أركان الدولة المدنية الحديثة، ثم التأكيد على قيم الديمقراطية والعلمانية مع التأكيد على أنهما ليستا متلازمتين إلا إذا كانت العلمانية إيمانية فالديمقراطية بدون علمانية غير متدينة يمكن أن تكون ديمقراطية علمانية إيمانية، فإعطاء حق الحريات العامة وتحقيقها فى المجتمع وفن صناعة الواقع المعاش والمستقبل المأمول، كل هذا يمكن أن يتحقق بالديمقراطية الإيمانية كذلك التأكيد على أن الدين والإرهاب ليسا متلازمين أو وجهين لعملة واحدة، بل إن الإرهاب هو ضد الدين الحقيقى وهذا ما لابد أن نكشفه ونركز عليه.

•••

وأخيراً إن إلحاق العالم العربى بالأسرة الديمقراطية فى العالم بعد أن كان متخلفاً عنها ومستعصياً عليها هدف يجب أن نضعه أمامنا كهدف استراتيجى، ويمكن لمصر أن تساعد الدول الأخرى التى ترفض الديمقراطية من خلال علاقاتها المتنامية معها، لتتحول المنطقة العربية إلى واحة للديمقراطية حتى تسقط حجة الغرب فى تعضيد إسرائيل، لأنها واحة للديمقراطية فى قلب صحراء الديكتاتورية.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات