الحشاشون عبر الزمان - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحشاشون عبر الزمان

نشر فى : الجمعة 29 مارس 2024 - 7:20 م | آخر تحديث : الجمعة 29 مارس 2024 - 7:20 م

لا شك أن الاغتيال أو القتل الغدر هو من أقذر الجرائم، وقد ظهر ذلك منذ فجر التاريخ الإنسانى عندما غدر قابيل بأخيه هابيل، ولقد حاول الإنسان بقدر استطاعته البعد كل البعد عن هذه الجرائم، لكن ضعف النفس البشرية كان دائمًا ما ينتصر ويدفعه نحو الشر والقتل ولقد شاهدنا فى عصورٍ عدة جماعات كان كل همها هو القتل لأسباب سياسية سواء لطلب الحكم أو لمضايقة الحاكم فى حكمهِ.
لقد شاهدت فى التلفاز مسلسلا يحكى عن جماعة الحشاشين وزعيمها حسن بن الصباح وهو من بين المسلسلات الرمضانية، ومنذ حلقاته الأولى، نال اهتمام الكثيرين، خاصة أولئك المتعطشين لمشاهدة الدراما التاريخية.
وتدور أحداث المسلسل حول جماعة الحشاشين، التى اشتهرت بالاغتيالات السياسية فى القرن الـ11 الميلادى، ويجسّد النجم المصرى كريم عبدالعزيز دور زعيم الجماعة حسن الصباح، الذى نسجت حول شخصيته الكثير من القصص والأساطير.
وتحول موضوع المسلسل إلى مثار سجال ونقاش وبين مشيد يثنى على جمالية المشاهد البصرية وأداء أبطال المسلسل وبين منتقد يرصد الأخطاء التاريخية ويعيب على صناعه «الإسقاطات السياسية» واستخدام العامية، ولقد أعجبنى حوارًا دار بين الوزير «نظام الملك» والشاعر «عمر الخيام» عمن منا على حق أنا أم أنت أم حسن الصباح، فرد عليه «عمر الخيام» كلنا على باطل أنا عبد خوفى وأنت عبد السلطة وحسن عبد نفسه والمعركة خاسرة للأطراف الثلاثة ولا فائز فى هذه المعركة.
ولكن ــ عزيزى القارئ ــ ما هى طائفة الحشاشين؟
طائفة الحشَّاشين أو الحشَّاشون أو الحشيشية أو الدعوة الجديدة كما أطلقوا على أنفسهم هى طائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية، انفصلت عن العبيديين الفاطميين فى أواخر القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر ميلادى لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، والتى اشتهرت ما بين القرن الخامس والسابع الهجرى والموافق الحادى عشر والثالث عشر الميلادى، وكانت معاقلهم الأساسية فى بلاد فارس وفى الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران.
أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذى اتخذ من قلعة آلموت أى (عش النسر) فى فارس مركزا لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته، ولم يكن حسن الصباح مشغولا فقط بكسب الأنصار لقضيته؛ وإنما كان مشغولا أيضا بإيجاد قاعدة لنشر العقيدة الإسماعيلية فى كل البلاد للابتعاد عن خطر السلاجقة حيث فضل معقلا نائيا ومنيعا وملاذا آمنا للإسماعيليين، فوقع اختياره على قلعة آلموت وهى حصن مقام فوق قمة صخرة عالية فى قلب جبال البورج، ويسيطر على وادٍ مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله ثلاثين ميلا وأقصى عرضه ثلاثة أميال والقلعة ترتفع أكثر من 6000 قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار.
استطاع حسن الصباح دخول القلعة سرًا يوم الأربعاء الموافق 4 سبتمبر 1090م بفضل أنصاره المتخفين داخل القلعة وظل متخفيا داخلها لفترة وجيزة قبل أن يسيطر على كامل القلعة وأخرج مالكها القديم بعد أن أعطاه 3000 دينار ذهبى ثمنا لها. وبذلك أصبح سيّدا لقلعة آلموت، ولم يغادرها طيلة 35 عاما حتى وفاته.
اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة فى قمم الجبال معقلا لنشر الدعوة الاسماعيلية النزارية فى إيران والشام. ممَّا أكسبها عداء شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت فى استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب.
كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التى يقوم بها «فدائيون» لا يأبهون بالموت فى سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب فى قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وهكذا تمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جدا فى ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقى «نظام الملك» والخليفة العباسى «المسترشد والراشد» وملك بيت المقدس «كونراد».
• • •
إن أقدم تطبيق كتابى لمصطلح «حشيشية» على النزاريين نجده فى الرسالة التى كتبها الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله سنة 1123م والمرسلة إلى الإسماعيليين فى الشام «(إيقاع صواعق الإرغام)» وكان الهدف من هذه الرسالة نقض مزاعم نزار المصطفى لدين الله بالإمامة والتأكيد على شرعية الخط المستعلى وقد استُخدم فيها مصطلح الحشيشية مرتين من دون تقديم سبب واضح.
ينجح شيخ الجبل راشد الدين سنان سيد الحشاشين فى مصياف، فى إبعاد السلطان صلاح الدين عن أراضيه.
وتمّت الإشارة إلى النزاريين مرة أخرى بالحشيشية فى أقدم كتاب سلجوقى معروف للأخبار كتبه سنة 1183م عماد الدين الأصفهانى فى كتابه «(نصرة النصرة)» من دون تقديم معنى اشتقاقى للكلمة وقد استخدم مصطلحات أخرى للقذف مثل الباطنية والملاحدة.
أما المؤرخون الفرس من الفترة الإيلخانية ومنهم الجوينى ورشيد الدين اللذان هما المصدران الرئيسان لتاريخ الجماعة النزارية فى فارس ــ فلم يستخدموا مصطلح الحشيشية أبدا، وقد استخدموا مصطلح «الملاحدة« عندما لم تكن الإشارة إليهم كإسماعيليين.
وتبقى الحقيقة أنه لا النصوص الإسماعيلية التى تمت استعادتها حتى الآن؛ ولا أيّا من النصوص الإسلامية غير الإسماعيلية المعاصرة التى كانت معادية للنزاريين تشهد بالاستعمال الفعلى للحشيش من قبل النزاريين. وحتى المؤرخون الرئيسيون للنزاريين مثل الجوينى الذى نسب كل أنواع الدوافع والمعتقدات الخبيثة للإسماعيليين فإنهم لا يشيرون إليهم «بالحشاشين» والمصادر العربية التى تشير إليهم بذلك لا تشرح البتة هذه التسمية من جهة استعمال الحشيش.
وتبقى هناك آراء أُخرى حول الأصل الاشتقاقى للكلمة منها:
أساسان (Assassins): أى القتلة أو الاغتياليون. وهذه لفظة كان يطلقها الفرنسيون الصليبيون على الفدائية الإسماعيلية الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم؛ فخافوهم ولقبوهم «الأساسان».
حساسان: نسبة إلى «الحسن بن الصباح» الذى أوجد منظمات الفدائية.
عساسون: مشتقة من «العسس» الذين يقضون الليالى فى قلاعهم وحصونهم لحراستها والدفاع عنها.
أساسين: مأخوذة من الكلمة الأصلية (المؤسسين) حيث أنهم أسّسوا قوتهم فى قلعة آلموت.
ومع بداية النصف الثانى من القرن الثانى عشر بدأت التحويرات العربية لمصطلح الحشاشين تلتقط محليا فى سورية وتصل إلى مسامع الصليبيين لتكوّن عددا من المصطلحات «Assassin ,Assissini ,Heyssessini» والتى صار ينعت فيها الإسماعيليون النزاريون فى سوريا الأمر الذى أدّى لظهور اسم جديد دخل إلى اللغات الغربية وهو «Assassin» وأصبح يعنى «القاتل»، وقد كانت المخيلة الأوروبية خصبة فى وصف هؤلاء الحشاشين، وزخرت كتبهم بالكثير من الأساطير حولهم فنجد قصة الرحالة الإيطالى ماركو بولو التى باتت تعرف بـ«أسطورة الفردوس» والذى نقرأ فى كتابه فى وصف قلعة آلموت ما يلى:
«بأنها كانت فيها حديقة كبيرة مليئة بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هى الجنة، وقد كان ممنوعًا على أى فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصورًا فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة فى مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياما، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا فى الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كانوا يُخدَّرون مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: «من الجنة»، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا فى مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتى إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة!
وتجدر الإشارة إلى أن قلعة آلموت قد أُحرِقت سنة 1256م بينما ولد ماركو بولو سنة 1254م فإذا لم يكن قد زارها وعمره سنتين فهو لم يزرها أبدا. كما أن الطبيعة المناخية لقلعة آلموت التى تغطيها الثلوج طيلة 7 أشهر بالسنة يجعلها غير صالحة لزراعة الحدائق الموصوفة فى الكتاب. وعلى كل حال فإن مثل هذه القصص المليئة بالمبالغة والخيال نجدها كثيرا عند ماركو بولو.
• • •
قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة فى بلاد فارس سنة 1256م حيث قام بمهاجمة الحشاشين واستطاع أن يستولى على قلعة آلموت وعلى أكثر من مائة قلعة من قلاعهم والمكاتب الإسماعيلية قبل أن يتجه هولاكو لمهاجمة العباسيين وعاصمتهم بغداد وإحراقها، وسرعان ما تهاوت الطائفة فى الشام أيضا على يد الظاهر بيبرس سنة 1273م.
وبرغم معرفتنا هذه بالتاريخ وبأموره وكيف انتهى المطاف بهذه الجماعة لكن هناك العديد من أمثال جماعة الحشاشين بأسماء مختلفة وزعماء كحسن بن الصباح سواء فى الشرق أو فى الغرب، فالشر فى كل مكان.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات