الصراع على سوريا.. ما قبل الحسم - إيال زيسر - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 7:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع على سوريا.. ما قبل الحسم

نشر فى : الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص

خلال الأسابيع الأخيرة ازداد الانطباع بان الصراع على سوريا الدائر منذ عامين بلغ مرحلته الأخيرة وبات قريبا من الحسم، وأن الثوار اقتربوا أكثر من أى وقت مضى من التقويض النهائى لنظام بشار الأسد. وفى الواقع ظل هذا النظام على قيد الحياة على الرغم من النعى المتكرر له منذ نشوب الثورة، لا بل أظهر قدرة مدهشة على الصمود، لكن خلال الأسابيع الأخيرة بدأ يتبين أنه يتعرض لخطر حقيقى. وبعد خسارة سيطرته على أجزاء كبيرة من الدولة، يبدو أنه على وشك أن يخسر حلب ــ ثانى أهم مدينة فى سوريا، وهو حاليا يخوض معركة بقاء ضد الثوار على مداخل دمشق. لكن على الرغم من ذلك، فإن الثورة السوريا فى المرحلة الأخيرة من الصراع ستكون طويلة ومستمرة.

 

وفى الواقع، تتسم المعركة الدائرة فى سوريا بأنها ليست صراعا تتخلله تطورات دراماتيكية، بل هى أقرب إلى أن تكون معركة استنزاف طويلة ودموية، يتقدم خلالها الثوار إلى أهدافهم خطوة خطوة.

 

من الاحتجاج الشعبى إلى الحرب الأهلية فى مارس 2011 وصل الربيع العربى إلى سوريا واشتعلت النيران فى أرجاء الدولة كلها، ودخلت سوريا فى صراع داخلى بدأ كحركة احتجاج محدودة، ثم تحول إلى تمرد شعبى، ليصير فى النهاية حربا أهلية دموية، وذلك فى مواجهة معارضة متعددة ومنقسمة جدا من حيث تركيبتها. وعلى الرغم من استخدام النظام السورى منذ اللحظة الأولى اليد الحديدية، فقد فشلت محاولاته لقمع الانتفاضة التى امتدت وعمقت جذورها داخل أجزاء كبيرة من المجتمع السورى. ورغم ذلك صمد النظام فى وجه الموجات الأولى للاحتجاجات وحافظ على وحدة صفوفه وعلى سيطرته على مؤسسات الدولة وعلى الجيش.

 

•••

 

إن نجاح الثورات فى الدول العربية دفع بالكثيرين إلى توقع أن تنجح الثورة فى نهاية الأمر فى سوريا أيضا، وألا يستطيع بشار الأسد الصمود فى وجه الانتفاضة ضد نظامه. لكن هذا النظام أظهر وحدة وقوة، ونتيجة لذلك تحول الصراع إلى حرب بقاء المنتصر فيها هو الطرف الذى يتمتع بنفس طويل وقدرة كبيرة على الصمود.

 

وهكذا غرقت سوريا فى مستنقع وحول من النزاع العنيف من دون حسم دفع ثمنه نحو أربعين ألف قتيل من السوريين أغلبيتهم من المدنيين. وخلال المعارك تحولت سوريا إلى ساحة جهاد تدفق إليها المتطوعون الشباب من كل أرجاء العالمين العربى والإسلامى بهدف محاربة النظام. وخلال عامين، قام النظام والثوار على حد سواء بتقويض معظم ما يمكن اعتباره إنجازات حقققتها العائلة الأسدية، وحولا سوريا إلى دولة فاشلة تقف على حافة الانهيار. لقد أصبحت سوريا دولة توقفت فيها معظم المؤسسات الرسمية عن العمل، وتمزق بسرعة نسيج الحياة المشتركة بين طوائف الدولة وعشائرها وأبناء المناطق المختلفة، والذى كان ثمرة تراكم عمل طويل، وتحولت سوريا إلى دولة تتلقى اللكمات وإلى مركز للتدخل الإقليمى والدولى.

 

فى الأسابيع الأخيرة حدث تصعيد كبير فى المعارك، الأمر الذى قد يوحى باقتراب ساعة الحسم. وتحدثت وسائل الإعلام عن استخدام النظام للمرة الأولى منذ اندلاع المعارك صواريخ أرض ــ أرض متطورة من طراز سكود، فى قصفها للثوار فى منطقة حلب. وفى الوقت نفسه حذر الرئيس أوباما بشار من مغبة استخدام السلاح الكيماوى الذى لديه. وذكرت مصادر فى واشنطن أن هذا التحذير جاء فى إثر المعلومات التى تحدثت عن استعداد النظام السورى لاستخدام هذا السلاح. ولهذا ارتأت واشنطن أن توضح للأسد بأن استخدام هذا السلاح هو بمثابة تجاوز للخط الأحمر. فى فترة لاحقة ادعى الأمريكيون بأن التهديد حقق هدفه، وأن بشار تراجع عن نيته استخدام السلاح الكيماوى. وفى أية حال، فإن إقدام النظام السورى على استخدام الصواريخ المتطورة، وتفكيره باستخدام السلاح الكيماوى ضد معارضيه دليل على شعوره بأنه بات محشورا فى الزاوية.

 

•••

 

لقد شهدت المعركة الدائرة فى سوريا سلسلة من الحوادث ومن المعارك التى جرت فى أماكن محلية مما جعل من الصعب رسم صورة واضحة لسير هذه المعركة. ومن حين إلى آخر برزت تقديرات بأن نظام بشار الأسد يقترب من نهايته، وذلك فى ظل ما اعتبر نجاحات معينة حققها الثوار، ومن أبرزها الهجوم على رؤساء الأجهزة الأمنية فى سوريا الذى وقع فى 18 يوليو 2012 والذى أدى إلى مصرع آصف شوكت صهر بشار. لكن بعد مرور الصدمة الأولى تبين مرة أخرى أن هذه التقديرات ما زالت سابقة جدا لأوانها.

 

وقد تكون هذه التقديرات اعتمدت بصورة خاصة على واقع استناد الثوار إلى التأييد العميق للمجتمعات فى مناطق الريف وفى مدن الأطراف التى شكلت خزانا لا ينضب لمد الثوار بالمقاتلين والنشطاء المتعطشين لتحقق النصر. لكن هؤلاء كانوا يفتقرون إلى الوحدة الداخلية، وإلى تنظيم أعلى يوحدهم ويشكل زعامة وقيادة فاعلة. وقد برزت بين هؤلاء الثوار مجموعات مسلحة وميليشيات تركزت عملياتها فى الأماكن التى يسكنونها وكانت ذات نتائج محلية فقط ولم تكن لها أهمية استراتيجية. إنما تبين فيما بعد أن عمليات هذه المجموعات من الثوار لها أثر تراكمى وبطىء وتدريجى بدأ يقضم قواعد النظام فى كل أنحاء الدولة.

 

إن التمعن فى الخريطة السوريا بعد عامين من الصراع يظهر الصورة التالية: أولا: فقد النظام السيطرة على المناطق الحدودية مع تركيا والعراق، وبصورة جزئية على الحدود مع لبنان والأردن، وباتت جميعها اليوم فى قبضة الثوار.

 

فى المقابل، فإن المناطق الواقعة شمال الدولة باتت فى قبضة الأكراد الذين يعملون من أجل إقامة حكم ذاتى كردى.

 

ثانيا: إن منطقة الجزيرة الواقعة شرق سوريا، والمعروفة بوجود حقول النفط والغاز وخزانات المياه فيها وبوفرة المحاصيل الزراعية، لم تعد واقعة تحت سيطرة النظام.

 

ثالثا: إن مدينة حلب، ثانى أكبر المدن فى الدولة، باتت أجزاء كبيرة منها تحت سيطرة الثوار، بينما تتلاشى سيطرة النظام عليها، كما يفقد النظام السيطرة على الطريق التى تربط شمال سوريا بجنوبها والتى باتت اليوم جزئيا فى قبضة الثوار.

 

•••

 

فى الختام: إن الصراع على العاصمة دمشق هو الآن فى ذروته. كما أن النظام لم ينجح فى اقتلاع الثوار من حوران، ومن الجولان السورى، ومن مناطق الأرياف المحيطة بالمدن. علاوة على ذلك يحكم الثوار قبضتهم على مداخل دمشق، وفى الأسابيع الأخيرة اقتربت المعارك من مطار العاصمة، الذى يشكل البوابة الوحيدة التى بقيت لسوريا مع العالم الخارجى. بالإضافة إلى ذلك،

 

سيطر الثوار على بعض أحياء العاصمة مثل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. ويمكن القول إن استمرار الهدوء فى جبل الدروز فى الجنوب، وفى منطقة العلويين فى الشمال، وفى منطقة الساحل وفى قلب العاصمة دمشق، يعكس رغبة البرجوازية السوريا بالاستقرار، لكنه لا يضمن بقاء النظام الحالى.

 

ويمكننا الافتراض بأن النظام قرر التخلى عن السيطرة على المناطق الحدودية البعيدة، وكذلك عن منطقة الجزيرة كى يركز جهده للدفاع عن محور دمشق ــ حلب، العمود الفقرى للدولة السوريا. لكن على الرغم من ذلك فإن خسارته لحلب والصعوبات التى يواجهها فى المحافظة على سيطرته على دمشق، سوف تؤدى مستقبلا إلى جعل النظام السورى محشورا فى منطقة الساحل. فى ظل مثل هذا الواقع، فإن الخيار الوحيد الذى يبقى لديه هو إقامة حكم علوى.

 

مستقل كثر الحديث بشأنه فى الفترة الأخيرة، على الرغم من الشكوك فى صحته.

 

فى المقابل فإن معسكر الثوار يلاقى صعوبة فى تنظيم وتوحيد صفوفه وفى طرح نفسه بديلا من النظام الحالى، وذلك على الرغم من كونه لا يفتقر إلى التمويل ولا إلى السلاح الذى يتدفق عليه من دول الخليج عبر تركيا، بالإضافة إلى المتطوعين الذين يأتى أغلبيتهم من الأرياف ومن الضواحى. ويبدو أن ضعف هؤلاء الثوار الناتج عن سوء تنظيمهم، تحول إلى نقطة قوة نظرا للصعوبة التى يلاقيها النظام فى إيجاد الرد الملائم على حرب العصابات التى يشنها هؤلاء ضده. وفى هذه الظروف فإن محاولات النظام استخدام صواريخ سكود ضد مجموعات الثوار محكوم عليها بالفشل المسبق.

 

وفى الواقع، فإن النظام السورى يجد صعوبة فى الدفاع عن رصيده، وفى ترجمة الدعم الشعبى الذى ما زال يحظى به إلى قوة عسكرية يستطيع استخدامها ضد الثوار. كما أن هذا النظام مضطر إلى مواجهة مشكلة الفرار الدائم من صفوفه، وخسارة سيطرته على المناطق التى تنتقل إلى قبضة الثوار، والتراجع المستمر فى موارده الاقتصادية.

 

•••

 

فى الفترة الأخيرة أعطى نائب الرئيس السورى، فاروق الشرع، مقابلة لصحيفة «الأخبار» اللبنانية، قال فيها إن النظام غير قادر على إخضاع خصومه وأنه لا يؤمن بالحل العسكرى. ويشير هذا الاعتراف إلى الأزمة التى يعانيها النظام فى دمشق. وما يمكن قوله هو أن الصراع فى سوريا سيستمر لفترة من الوقت لأن النظام يقاتل دفاعا عن حياته، وهو ما زال يملك مصادر قوة لا يمكن الاستهانة بها. كما أن الجيش النظامى لم يتفكك وما زال النظام يحظى بتأييد الأقليات ومعهم جزء من أبناء الطائفة السنية، بصورة خاصة سكان المدن الكبرى. لكن، فى حال استمرت وجهة التطورات على النحو الذى شهدناه فى العامين الأخيرين وتصاعدت كما حدث فى الأسابيع الأخيرة، من الصعب أن يبقى بشار الأسد فى منصبه فترة طويلة من الزمن.

 

 

باحث فى معهد دايان  لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا

تسومت مزراح هيتخون 

 المجلد 2

نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

إيال زيسر  عميد كلية العلوم الانسانية في جماعة تل ابيب
التعليقات