«الزعامة حين تكون مرضًا» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الزعامة حين تكون مرضًا»

نشر فى : الأحد 6 يناير 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الأحد 6 يناير 2019 - 11:50 م

نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب «حازم صاغية» يتحدث فيه عن أنواع الزعامات وتغيرها على مر العصور وجاء فيه:
فى الأنظمة الديمقراطية على الأقل، أنجبت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية زعامات عقلانية، مثل فيلى برانت فى ألمانيا، وفاليرى جيسكار ديستان فى فرنسا، وهارولد ويلسون فى بريطانيا، وصولا إلى مستشارة ألمانيا الحالية أنجيلا ميركل.
لا شك أن الفترة تلك، بما عرفته من نفور حيال الزعامية المطلقة، كما مثلها أشخاص كهتلر وموسولينى، هى التى ساهمت فى تعزيز هذه الوجهة. صحيح أن قادة وسياسيين شذوا كثيرا أو قليلا عنها: فالفرنسيان شارل ديجول وفرنسوا ميتران والأمريكى رونالد ريجان والبريطانية مارجريت تاتشر، نظر إليهم بوصفهم يمثلون رئاسية فائضة. لكن الصحيح أيضا أن هؤلاء جميعا إنما انضبطوا باللعبة السياسية والديمقراطية وبالعمل ضمن القنوات والمعايير التى تتيحها.
لكنْ مع انفلات المال من كل ضابط، وتغلبه على الأفكار وعلى السياسة، شرعت بالظهور زعامات كالإيطالى سيلفيو بيرلوسكونى ــ الذى استفاد من انهيار الأدوات الحزبية كما عرفتها إيطاليا مع انتهاء الحرب الباردة ــ والفرنسى نيكولا ساركوزى، وبنسبة أقل، البريطانى تونى بلير.
منذ سنوات، ومع الصعود المدوى للحركات الشعبوية، ظهرت وجوه مختلفة كالأمريكى دونالد ترامب، والهنغارى فيكتور أوربان، والفلبينى رودريغو دوتيرتى، وأخيرا البرازيلى جايير بولسونارو. ومع أن التركى رجب طيب أردوغان والإسرائيلى بنيامين نتنياهو أسبق عهدا بالزعامة السياسية، إلا أنهما سريعا ما أعلنا انتسابهما إلى نادى السياسيين الشعبويين (نضع جانبا حالات كالإيرانية كون تلك التجارب ليست ديمقراطية أصلا).
هذا النمط الشعبوى فى الزعامة كثرت بشأنه التحليلات، لكن ما يعنينا فى هذه العجالة هو أحد أبعاد هذه الزعامة، أى ارتفاع مستوى «الأنا» عند صاحبها. فالرئيس الأمريكى ترامب، وهو من دون شك أبرز تلك الحالات، قد يطلق حدثا سياسيا لمجرد أنه أراد أن يطلق تغريدة على تويتر، وقد تتحول رغبته فى كتابة تغريدة ما إلى سبب لحدث سياسى مؤثر. وهكذا لا يخطئ الذين يقولون إن ظهور السياسى الشعبوى فى وسائل الإعلام وتحوله إلى شغل شاغل للناس وإلى حديثهم اليومى، هو واحد من الأسباب البارزة فى تفسير هذا الموقف السياسى أو ذاك.
يدفعنا واقع كهذا إلى استعادة جزء من تحليل ماكس فيبر، أحد رواد علم الاجتماع المعاصر، للزعامة السياسية، وتطبيقه تطبيق حد أقصى على الواقع الراهن الموصوف أعلاه. فمفهوم «النرجسية» يحتل موقعا مركزيا فى التحليل الفيبرى للزعيم: إنه نوع من «دون جوان» سياسى يغرى الناس ويسحرهم، مدركا أنه يملك طاقة آسرة تتيح له ممارسة الإغراء والسحر عليهم. أما ما قد لا يصح دائما فى التحليل الفيبرى فهو افتراضه بأن هؤلاء السياسيين السحرة ينطوون على موهبة فطرية فيهم، موهبة تسهل لهم الحصول على السلطة التى يكنون لها حبا مطلقا. فغنى عن القول إن الطريق إلى السلطة أعقد من المواهب الفطرية التى يصعب القول إن القادة الشعبويين الحاليين يملكونها.
لكن قبول الشعب ــ أو أجزاء واسعة منه ــ بهذه الزعامة، هو ما يقودنا إلى تحليل آخر، ليس صاحبه سوى مؤسس علم النفس الحديث سيجموند فرويد. فالزعيم، فى نظره، هو الأب الذى يكرمه الناس ويرفعونه إلى سوية المثال لأنهم قتلوا آباءهم الفعليين، أو اشتهوا موتهم، أى قتلوهم رمزيا. إن الأمر إذن ترجمة لشعور عميق بالذنب مرتبط بالعقدة الأوديبية، لكنه يوفر لـ«القاتل» نوعا من التسامى الذى يحل محل العقاب على ارتكاب «جريمة».
فإذا صح التأويل الفرويدى، جاز لنا أن نتساءل عن الجرائم التى اقترفت من قبل أولئك الذين تعلقوا بالقادة الشعبويين، ثم رأوا فى تعلقهم بهم طريقا للتعالى والخلاص من شعورهم بالذنب!
الاتحاد ــ الإمارات

التعليقات