لماذا نجحت الوحدة أوروبيًا وفشلت عربيًا؟ - محمد السماك - بوابة الشروق
السبت 1 يونيو 2024 5:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا نجحت الوحدة أوروبيًا وفشلت عربيًا؟

نشر فى : الأحد 6 يونيو 2010 - 2:12 م | آخر تحديث : الأحد 6 يونيو 2010 - 2:12 م

 يواجه الاتحاد الأوروبى تحديات صعبة وخطيرة بسبب أزمة اليورو والمتاعب المالية والاقتصادية التى تعانى منها بعض الدول الأعضاء. ولكن الاتحاد ليس فى خطر.

فى عام 1984 قال الأديب الفرنسى الشهير فيكتور هيجو: «سوف يأتى يوم تصبحين معه أنت يا فرنسا.. وأنت يا ألمانيا، وأنت يا إيطاليا، وأنتم يا بقية الأمم فى القارة، ومن دون أن يفقد أى منكم خصائصه المميزة وفرادته الرائعة، جزءا من وحدة كبرى».

وفى عام 2003، قال الرئيس الفرنسى الأسبق فاليرى جيسكار ديستان الذى ترأس اللجنة الخاصة بوضع مشروع الدستور الأوروبى الموحد: «علينا أن نحلم بأوروبا.. قارة واحدة تنعم بالسلام، وتتجاوز بحرية كل الحدود والعقبات، حيث يتعانق أخيرا التاريخ مع الجغرافيا».

وقبل فيكتور هيجو وفى عام 1306 دعا بيار دى بوا مستشار حاكم بورغوندى (الفرنسية) إلى فيدرالية أوروبية. وردد هذه الدعوة أيضا الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانت. وكان وليم بن ــ مؤسس مقاطعة بنسلفانيا ــ أول من دعا إلى إقامة برلمان أوروبى موحد.

رغم حروب المائة سنة التى اجتاحت أوروبا باسم الدين، ورغم الحربين العالميتين الأولى والثانية التى أودت بعشرات الملايين من الأوروبيين، فإن حلم الوحدة الذى سحقته مجنزرات الدبابات وأحرقته نيران الحروب، بقى حيا فى الثقافة العامة وفى أدبيات الفلاسفة والكتاب والشعراء.

وقد تكاملت هذه الوحدة من المحيط الأطلسى حتى جبال الأورال على تخوم روسيا لتضم كتلة بشرية من 450 مليونا، ولتجسد الحلم الذى حاول تحقيقه بعد شارلمان، نابليون، وهتلر، كل على طريقته.فقد استحدث فى متحف التاريخ فى برلين جناح خاص يحكى قصة فكرة الوحدة الأوروبية، منذ قيام امبراطورية شارلمان فى عام 800 ميلادية (أى بعد ثلاثمائة سنة من سقوط الإمبراطورية الرومانية).

فشارلمان الذى امتدت امبراطوريته من هامبورج فى شمال ألمانيا حتى صقلية فى جنوب إيطاليا، ومن نهر الدانوب فى الشرق حتى إسبانيا فى الغرب، حرص على أن يلبس التاج فى روما وعلى يد البابا نفسه.

وحمل خاتمه الإمبراطورى الرسمى عبارة تقول: تجديد الإمبراطورية الرومانية Renovanto Imperili Romani.

أما نابليون فقد كتب فى مذكراته أنه «لو ربح الحرب فى روسيا فإن أوروبا كانت ستصبح أمة واحدة بحيث أن أى شخص يسافر من أى مكان إلى أى مكان آخر سيجد نفسه فى أرض آبائه.. وكانت باريس ستصبح عاصمة العالم والفرنسيون موضع حسد بقية الأمم».

وفى كتاب جديد عن نابليون ألفه وزير الخارجية الفرنسية الأسبق دومينيك دى فولبين، يقول الوزير: «لقد حقق التاريخ رؤية نابليون بقيام أسرة أوروبية عظيمة واحدة».وتصف مجلة «التاريخ» الفرنسية فى دراسة نشرتها فى عام 2002 نابليون بأنه «أب الوحدة الأوروبية، وأنه أب القانون الاتحادى، والسوق المشتركة، وحقوق الإنسان... وتدمير الحواجز الحدودية».

إلا أن متحف برلين عن تاريخ الوحدة الأوروبية يتجاهل نابليون كأب للوحدة الأوروبية، كما يتجاهل الأسلوب الهتلرى النازى أيضا فى محاولته إقامة هذه الوحدة. وكان هتلر قد ألقى فى عام 1936 خطابا فى الرايخستاج (البرلمان) قال فيه: «لا يحتاج المرء إلى كثير من الذكاء حتى يدرك أنه يستحيل فى بيت ضيق كأوروبا، أن تحتفظ إلى أمد طويل هذه الجماعات من الشعوب بأنظمة قانونية متعددة، وبمفاهيم مختلفة للنظام». كان هتلر يحاول تقمص شخصية القيصر، فالتحية الهتلرية التقليدية «هايل هتلر» مقتبسة كليا عن التحية التى كانت تقدم للقيصر الرومانى.

وعندما احتل الألمان فرنسا، وشكلوا فرقة «س.س.» الأمنية من عناصر فرنسية متعاونة مع حكومة فيشى الموالية لهم أطلقوا على هذه الفرقة اسم فرقة شارلمان. حتى الرئيس الإيطالى فى ذلك الوقت موسولينى ــ حليف هتلر ــ قال فى عام 1933 «إن بإمكان أوروبا أن تتربع ثانية على عرش الحضارة العالمية إذا استطاعت أن تطور لنفسها نظاما لوحدة سياسية».

غير أن طريقة نابليون وهتلر فى إقامة الوحدة كانت طريقة عسكرية قهرية واحتلالية. وقد أدت محاولة الوحدة بالإخضاع إلى المزيد من التباعد والاستعداء... فالوحدة التى تفرضها القبضة الحديدية، سرعان ما تتلاشى عندما تتراخى هذه القبضة على النحو الذى عرفه كل من الاتحاد السوفييتى والاتحاد اليوغسلافى وحتى تشيكوسلوفاكيا.

فى عام 1957 ــ بعد 12 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية ــ اختار الأوروبيون عن قصد مدينة روما ــ عاصمة الإمبراطورية الرومانية التاريخية ــ للتوقيع على اتفاقية الوحدة بالاختيار والمساواة. وكان يفترض أن يوقعوا فى عام 2004 وفى روما أيضا على الصيغة النهائية للدستور الأوروبى الموحد، غير أن نتائج الاستفتاء على المشروع الذى جرى فى هولندا ثم فى فرنسا كانت سلبية. فصرف النظر عنه موقتا.

لقد ابتدعت أوروبا نظرية «الدولة الأمة». إلا أنها تجاوزت الآن هذه النظرية. ويقول البروفسور هاجن شولتز أستاذ التاريخ فى جامعة برلين «إن الدول والأمم والقوميات سوف تذبل وتتلاشى تدريجيا لتفسح المجال أمام قيام أوروبا موحدة». أما التمسك بنرجسيات الدولة الأمة فإنه يفجر الصراعات بين الفئات المتعددة على النحو الذى حدث فى يوغسلافيا فى عام 1990 وما بعده.

ما كانت الوحدة الأوروبية لتقوم لو بقيت إسبانيا ممزقة (الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين)، وفرنسا مشتتة الأقاليم، وإيطاليا تجمعا لدوقيات متناحرة، وألمانيا مقسمة إلى شرقية وغربية.

فالوحدة العامة تبدأ بتوحيد العناصر المكونة لها أولا، وليس بحمل انقسامات الخاص إلى العام!!
وما كان للوحدة الأوروبية أن تقوم لو لم تتعلم شعوب القارة من المحن الشديدة التى مرت بها،
أولا: ألغت أوروبا دور الكنيسة فى السياسة واعتمدت العلمنة والديمقراطية بعد سلسلة من الحروب الدينية خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت. فقد تراجع عدد سكان ألمانيا على سبيل المثال إلى عشرة ملايين فقط نتيجة لتلك الحروب.

ثانيا: أدركت أوروبا أن منطق الدولة الوطنية يفتح أبواب الصراعات حول الحدود والموارد والنفوذ، وأنه يؤصل لثقافة الحذر من الآخر ويعمق مشاعر التنافس حتى الكراهية. فتجاوزت تاريخها الدامى وأعادت تركيب ثقافة مشتركة منفتحة على الأوروبى الآخر ومتكاملة معه.

ثالثا: مع قيام قطبى الحرب الباردة الاتحاد السوفيتى من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية، وجدت الشعوب الأوروبية أنها تهرب من عدوانية الأول إلى التبعية للثانى، وأنها فى الحالتين تفقد شخصيتها وتراثها الحضارى المشترك، وتضع مصالحها وحتى مستقبلها رهينة توافق القطبين أو صراعهما. فكانت الوحدة السبيل الوحيد للخروج من بين المطرقة السوفييتية والسندان الأمريكى.

رغم كل المآسى والصعوبات التى مرت بها الشعوب الأوروبية فى علاقاتها المشتركة، فان حلم الوحدة بقى حيا فى الأدبيات السياسية وفى الدراسات الفلسفية والاجتماعية. كانت الجيوش تتطاحن فى معارك دامية، فى الوقت الذى كان المؤرخون الأوروبيون يتحدثون عن حتمية الوحدة، ليس فقط كمخرج، ولكن كهدف أيضا.

الآن، إذا قرأنا تاريخ فكرة الوحدة الأوروبية بعيون عربية، وإذا استبدلنا عبارة الدول الأوروبية بعبارة الدول العربية، وعبارة الإمبراطورية الرومانية بعبارة الإمبراطورية الأموية، وعبارة من الأطلسى إلى الأورال بعبارة من المحيط إلى الخليج، وإذا استبدلنا أسماء مثل صلاح الدين الأيوبى ومحمد على، وعبدالناصر بأسماء مثل شارلمان ونابليون وهتلر...إذا فعلنا ذلك، كيف نقارن بين المسيرة الأوروبية نحو الوحدة.. والوقوف العربى أمام جدران جامعة الدول العربية؟!
إنه مجرد سؤال!!

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات