قلة أدب! - محمد عصمت - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قلة أدب!

نشر فى : الجمعة 6 أغسطس 2010 - 5:23 م | آخر تحديث : الجمعة 6 أغسطس 2010 - 5:23 م
تحت قبة مجلس الشعب منذ عدة سنوات، شتم وزير المالية بطرس غالى رئيس حزب معارض بكلمة نابية، كان من المفترض أن تضعه فى السجن لعدة أسابيع طبقا لقانون العقوبات.. وقبلها بسنوات طويلة وصف الرئيس السادات ــ الله يرحمه ــ الشيخ المحلاوى بأنه «مرمى زى الكلب فى السجن».

. وفى السبعينيات راجت شائعات حول طبيب معروف يضرب الأطباء بـ«الشلاليت» داخل قصر العينى حينما يخطئون، ثم تولى بعد ذلك رئاسة نادى ارستقراطى شهير.

. وفى مجلس الشعب دارت ملاسنات بألفاظ خارجة بين النواب كادت تتطور إلى معارك دامية بالأيدى.. وفى شوارعنا أصبحنا نسمع شتائم نابية بالأب والأم بين الشباب أو بين قائدى السيارات.

. أما تعليقات القراء فى الصحف والمواقع الإلكترونية فقد صارت سوقا مزدهرة لهواة التجاوزات حتى ضد قامات صحفية كبيرة.

قد أستطيع أن أفسر سر هذه السوقية فى حياتنا بالقمع السياسى والاجتماعى والثقافى الذى نعيشه، فيلجأ هؤلاء البائسون بدافع من الجهل والقمع إلى التنفيث عن غضبهم بهذه الطريقة الهمجية، لكنى خلال زياراتى لدول فى المشرق والمغرب ينتشر بها القمع أكثر منا، لم أسمع أى كلمات نابية ولم أر خناقات بين قائدى السيارات رغم ازدحام شوارعها مثل شوارعنا وربما أكثر.

شىء ما سوقى أصبح يسيطر على طريقة حياتنا ويملأها بالقبح والخسة والنفاق، تزامنت مع انتشار تلال القمامة فى شوارعنا والازدحام فى مدننا الكبرى.. وحتى سنوات قليلة مضت كانت هذه الظواهر السلبية موجودة بشكل هامشى وكان أصحابها يتعرضون إلى عقوبات «الضبط الاجتماعى» ــ كما يقول علماء الإنثربولوجيا، أما الآن فإنها تنتشر كالنار فى الهشيم دون أى رادعٍ معنوى!

المؤكد أن اختفاء الدولة المركزية التى عشنا فى حضنها كمصريين منذ فجر التاريخ، وضعنا أمام تجرية قاسية نواجهها لأول مرة دون أى خبرات سابقة.. فنحن الآن لم نعد امتدادا لعصر الإله الفرعون الذى يتحكم من المركز فى مياه النيل وهو يمارس حمايته للأطراف، كما يقول المفكر سمير أمين.. ولا عصر الخلافة الإسلامية التى اكتسبت قداسة لقرون طويلة.. ولا دولة النهضة الواعدة فى عصر محمد على.. ولا أيضا مشروع الدولة الوطنية فى عصر عبدالناصر.

. نحن الآن فى دولة السوق المفتوحة التى تضع السعر قبل القيمة.. حيث تصبح الثروة المالية هى معيار النجاح على حساب القيم الجمالية أو الثقافية أو الأخلاقية أو المهام التاريخية التى ميزت مصر على مر الزمان، كما يقول الراحل جمال حمدان.

والواضح أن هناك ارتباطا عضويا بين انتشار «النوفوريش» فى دولة مبارك وانتشار قلة الأدب على نطاق اجتماعى واسع من فوق لتحت، ومن تحت لفوق.. والله أعلم!
محمد عصمت كاتب صحفي