ماذا يريد المستشار الخضيري؟! - علاء الأسواني - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يريد المستشار الخضيري؟!

نشر فى : الثلاثاء 6 أكتوبر 2009 - 8:44 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 أكتوبر 2009 - 8:44 ص

 هذه واقعة كبرى..
القاضى محمود الخضيرى الذى يبلغ من العمر سبعين عاما، بعد أن قضى على منصة القضاء 46 عاما، أعلن منذ أيام استقالته من منصبه احتجاجا على محاولات الحكومة التأثير على القضاة حتى يحكموا لصالحها واحتجاجا على تزوير الانتخابات الذى تمارسه وزارة الداخلية بتعليمات من الرئيس مبارك.. استقالة المستشار الخضيرى كانت أشبه بقنبلة أصابت كبار المسئولين فى مصر بالذهول وسرعان ما انتبهوا ليبدأوا حملة شرسة لتجريح شخص المستشار الخضيرى والتشويش عليه وتشويه صورته أمام الرأى العام. وهنا لابد أن نتذكر بضع حقائق:

أولا: إن محاولات الحكومة المستمرة لاستمالة القضاة والتأثير عليهم بالترغيب والترهيب، عن طريق إخضاع التفتيش القضائى لوزير العدل وانتداب القضاة للعمل كمستشارين فى الوزارات بمبالغ طائلة وتعيين القضاة كوزراء ومحافظين واختيار قضاة معينين للنظر فى قضايا معينة، بالإضافة إلى تزوير الانتخابات والاستعانة بالبلطجية الذين يعتدون بالضرب المبرح على كل من يعترض على التزوير (بما فى ذلك بعض القضاة الذين تم ضربهم فى الانتخابات الأخيرة)، وتحويل المواطنين المدنيين للمحاكمات العسكرية، واعتقال عشرات الآلاف من المواطنين لسنوات طويلة بالرغم من أحكام البراءة وقرارات الإفراج الصادرة لهم.

كل هذه جرائم يمارسها النظام المصرى منذ فترة طويلة وقد أشار إليها شيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعى فى رسالته التى وجهها إلى الرأى العام من سنوات، بل إن حركة استقلال القضاء قد قامت أساسا لإيقاف هذه الجرائم وحماية استقلال القضاء ومنع تزوير الانتخابات.. لم يأت المستشار الخضيرى إذن بشىء من عنده ولم يخترع شيئا، بل أكد الرجل أن اتهاماته للنظام بالتدخل فى القضاء وتزوير الانتخابات، كلها موثقة بالأدلة.. لماذا لا يحقق المسئولون معه إذن بدلا من محاولة تجريحه والشوشرة على موقفه؟

الإجابة أنهم لو حققوا معه سيقدم أدلته وسيعلن أسماء المتواطئين والمزورين وستكون فضيحة كبرى لا أظن النظام فى مصر يتحملها.. لذلك فهم يكتفون بالصياح الفارغ وإثارة الغبار حول الخضيرى ويتجاهلون تماما القضية التى يدافع عنها.

ثانيا: يتهم النظام المصرى المستشار الخضيرى وزملاءه من القضاة المطالبين باستقلال القضاء بأنهم يمارسون العمل السياسى المحظور على القضاة وهذا اتهام باطل.. أولا لأن القاضى مواطن من حقه أن يدلى برأيه فى القضايا العامة.. والإدلاء بالرأى لا يعنى إطلاقا الاشتغال بالسياسة.. وثانيا: لأن مطالبة القضاة باستقلال السلطة القضائية واجب مهنى وليس عملا سياسيا.. إن القاضى الذى يطالب بالاستقلال يشبه الطبيب الجراح الذى ذهب لإجراء عملياته فى المستشفى فوجد أجهزة التعقيم لا تعمل. ألا يكون من واجبه عندئذ أن يطالب بتوفير التعقيم السليم؟ ولو رفض هذا الجراح إجراء العمليات بدون تعقيم حرصا على حياة المرضى. أيكون بذلك مشتغلا بالسياسة؟.. لا معنى للقضاء إذا لم يكن مستقلا عن إرادة الحاكم والواجب على القاضى إذا كان جديرا بمهنته النبيلة، أن يرفض العمل عند حدوث أى تدخل فى أحكامه أو أى اعتداء على حياده واستقلاله.

ثالثا: يتهم بعض كتبة الحكومة المستشار الخضيرى بأنه يبحث عن فرقعة إعلامية لأنه أعلن استقالته قبل إحالته للمعاش بشهور، وهذا الاتهام، فضلا عن بذاءته، غير صحيح.. فقد أراد المستشار الخضيرى أن يؤدى واجبه فى التنديد بالاعتداء على استقلال القضاء، ومن البديهى أن يكون كلامه أكثر تأثيرا وهو فى الخدمة. ولو كان الخضيرى قد كشف عن جرائم النظام بعد إحالته للمعاش لقالوا عندئذ إنه سكت عن الحق وخاف من محاربة الفساد عندما كان مسئولا ولم يتكلم إلا بعد إحالته للتقاعد. إن استقالة الخضيرى بهذه الطريقة جاءت مؤثرة ومقنعة وأعطته مصداقية كبيرة عند الرأى العام.

رابعا: تكرر وسائل الإعلام الحكومى أن الخضيرى قد أساء إلى زملائه القضاة. ولا أعرف فعلا أين هذه الإساءة.. إن كشف الأخطاء بغرض علاجها لا يمكن أن يشكل إساءة وإنما تنجم الإساءة عن حدوث الأخطاء والسكوت عنها.. إن استقلال القضاء ليس وصفا أدبيا يخضع للمزاج والأحاسيس وإنما هو مصطلح قانونى له شروط محددة معروفة، ومعظمها غير متحقق فى بلادنا.. طبقا للمعايير الدولية فإن القضاء المصرى غير مستقل. ولا يعنى ذلك أبدا أن قضاة مصر جميعا متواطئون أو فاسدون، بل على العكس.. إن النضال الذى يخوضه آلاف القضاة من أجل تحقيق الاستقلال القضائى، يؤكد أن الغالبية العظمى من القضاة فى مصر يدافعون عن الحق ويقدمون واجبهم المهنى والأخلاقى على مصالحهم الشخصية.. بل إن استقالة الخضيرى فى حد ذاتها وسام على صدر القضاء ودليل على شرف القاضى المصرى ونبله وشجاعته وتجرده من الأهواء.

خامسا: الغريب أن وسائل الإعلام الغربية، التى تهتم عادة بكل ما يحدث فى مصر.. قد تجاهلت تماما استقالة المستشار الخضيرى فلم تشر إليها بكلمة واحدة.. وهذا دليل آخر على انحياز الإعلام الغربى وخضوعه للأجندة السياسية الصهيونية الأمريكية.. ولو كان الخضيرى قاضيا إيرانيا قدم استقالته احتجاجا على سياسات الرئيس أحمدى نجاد لتصدرت صورته الصحف العالمية جميعا ولتم فورا تنظيم المظاهرات وتكوين الجمعيات لتأييده ومساندته فى العواصم الغربية.. والسبب هنا أن النظام الإيرانى قد صار العدو الأول لإسرائيل والغرب وبالتالى فإن الإعلام الغربى يفتش عن سلبياته لتضخيمها بغرض تشويه صورته وعلى العكس من ذلك، فإن النظام المصرى صديق عزيز لإسرائيل ومنفذ مخلص للتعليمات الأمريكية. ولذلك تميل وسائل الإعلام الغربية غالبا إلى تجاهل الجرائم التى يرتكبها فى حق المصريين.

يبقى سؤال مهم: لماذا يقاوم النظام بكل شراسة مطالب القضاة فى الاستقلال؟ لماذا لا يستجيب لمطالبهم ويرفع يديه عن التدخل فى أعمال القضاء؟ الإجابة أن استقلال القضاء سيؤدى إلى نتائج لا يقدر النظام على تحملها، عندما يستقل القضاء سيصبح المصريون جميعا متساوين أمام القانون وسوف يحاسب بشدة كل من نهب أموال المصريين وقمعهم وتسبب فى إفقارهم.. فى ظل قضاء مستقل ستتم مساءلة كبار المسئولين عن مصادر ثرواتهم ولن يتمكن النظام من تزوير الانتخابات لصالح الرئيس مبارك وولده. وسوف يتكون مجلس شعب حقيقى يمثل مصالح المصريين فعلا ويحاسب الحكومة بجدية، ستنتهى حالة الطوارئ وسيتم الإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين الأبرياء ولن يحتجز شخص واحد بدون موجب قانونى ولن يجرؤ ضابط شرطة أو مسئول فى أمن الدولة على تعذيب المواطنين وهتك أعراضهم كما يحدث الآن. إذا تحقق استقلال القضاء فإن مصر سوف تتحرر من الظلم والاستبداد وتبدأ النهضة.

إن ما فعله المستشار محمود الخضيرى قد حفر اسمه إلى الأبد فى ذاكرة مصر ووجدانها.. مصريون كثيرون يخافون من مواجهة أصغر ضابط شرطة ويفكرون مليا قبل أن يختصموا مديرهم فى العمل.. ها هو شيخ جليل فى السبعين بدلا من أن يخلد إلى الراحة ويستمتع بتقاعد مريح، يعلن الحرب على الفساد والاستبداد ويقف وحيدا فى مواجهة نظام قمعى جبار يستطيع أن يؤذيه أو ينكل به فى لحظة.. هذه أعلى درجات الجهاد.. كلمة حق عند سلطان جائر..الديمقراطية هى الحل..

Dralaa57@yahoo.com

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات