الحرية الافتراضية - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الخميس 30 مايو 2024 7:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية الافتراضية

نشر فى : الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:32 ص

 لا يمكن لأحد أن يختلف على أن شباب مصر قد أدهشنا وأدهش العالم كله فى أيام الغضب التى هب ليشعلها كطائر فينيق يقوم من تحت رماد اتهامنا له بعدم الانتماء والتفاهة وتكبير الدماغ. وربما كانت طبيعة عملى بالتدريس فى الجامعة وعلاقتى بالإنترنت يسمحان لى بالتواصل مع هذا الشباب، الذى يسمح لى بدوره بمحاولة تفسير ما حدث.

هذا الشباب الجديد قد تعود على الحد الأقصى من الحرية على الإنترنت، كما أنه قد اكتسب خبرة تنظيمية إلكترونية مجربة عبر هذا الوسيط المرعب فى تكوين جماعات متجانسة ضخمة لا يعرف بعضها بعضا خلال ساعات معدودة، ونجح فى تجميع أعداد غفيرة لم تلتق من قبل لحضور حفل أو ندوة أو المشاركة فى إضراب صغير.

وقد سأم هذا الشباب من أحلامه المعلبة وحريته الافتراضية، وقرر بفعل الضغوط الاجتماعية القاهرة أن يجرب محاولة الحصول على الحد الأدنى منها فى واقعه المعيش، فبدأ بالترويج لأن يكون يوم 25 يناير يوما للغضب الشعبى السلمى.

ووفقا لقواعد اللعبة الافتراضية فإن صاحب الفكرة نفسه لم يكن يتوقع مطلقا عدد الذين قد يتجاوبون معها على الإنترنت، ولم يكن يتصور عدد الساعين لتنفيذها على أرض الواقع من بين المتجاوبين، وبخاصة أن كلا منهم لا يعرف الآخر، فهم مجموعات ضخمة من الخلايا العنقودية الصغيرة التى حاول الشيوعيون والإخوان المسلمون عبر تاريخهم السياسى الطويل تكوين مثلها حرصا على الانضباط التنظيمى السرى، مع الفارق فى أن العضو فى هذه الخلايا الإلكترونية هو الذى يسعى للانضمام للمجموعة بمجرد معرفته بها واتفاقه مع مبادئها دون أن يسعى أحد لتجنيده، وأن قادة هذه الخلايا لا يعرفون بعضهم بعضا ولا يوجد أحد فى النهاية يمسك بطرف السلسلة ويملك تحريك الجميع.

وقد نتج عن طبيعة تكوين هذه الخلايا ثلاثة أشياء واضحة فى مظاهرات يوم 25 يناير: الأول أن الغالبية العظمى من المشاركين فيها كانت من شباب الطبقة الوسطى المثقف الذى يتعامل مع الإنترنت، فهو لم يكن يوما لثورة الجياع بل كان احتجاجا للشباب المهمش الذى خرج من حسابات الحكومة فى توفير فرصة عمل ومنزل متواضع وحياة كريمة بعد أن أنفق عمره ودخل أسرته المحدود فى التعليم.

والثانى أن الشباب الذى دعى للتظاهر نفسه قد دهش من ضخامة أعداد المشاركين فى الاحتجاج، لكنهم أيضا قد أدركوا قوتهم، كطفل حاول الوقوف مستريبا للمرة الأولى فلما حملته قدماه استمرأ اللعبة، فكانت مظاهرات الأيام التالية أكثر ثقة واحتشادا.

والثالث أن المظاهرات التى تشكلت من خلايا عنقودية صغيرة ذاتية التكوين والانشطار كانت بلا قائد، لكنها كانت بالرغم من هذا شديدة التنظيم والانضباط والحرص على أن تكون سلمية فى يومها الأول، قبل أن يتكأكأ عليها عواجيز الفرح السياسى القادمون من الداخل والخارج محاولين التمسح فى أذيالها حينا، والصعود على أكتافها أحيانا دون أن تفلح محاولتهم. وإذا كان قد حدث تخريب وسلب ونهب فى مساء يوم الجمعة 28 يناير فإننى أقطع بأنه ليس من أصحاب الدعوة الأصليين الذين صنعوا من أجسادهم دروعا بشرية لحماية المتحف المصرى، بل هو من فئة اندست عليهم لا أعرف هويتها أو غايتها على وجه التحديد، لكنها بكل تأكيد أبعد ما تكون عن الوطنية والانتماء.

ويمكننا أن نستنتج من التحليل السابق عدة نتائج قد تفيد فى معالجة الأزمة: أولها أنه لا يمكن معالجة المشكلة مع هذا الشباب المثقف الذى أدرك الحُلُم السياسى إلا بالحوار مع عقول لديها ما تقوله لهم دون ادعاءات زائفة. وثانيها أن يكون هذا الحوار مشفوعا بإجراءات عملية تضمن الشروع فورا فى تحقيق بعض مطالبهم التى تتمثل كما أعلنوا فى «شغل/ خبز/ حرية/ عدالة اجتماعية». وثالثها البحث عن صيغ جديدة تضمن الاستماع الدائم لهذا الشباب وإشراكه فعليا فى المناقشات وتحمل المسئولية السياسية، حتى يكون على بينة بالممكن فلا يتجاوز طموحه سقف المتاح إلا بابتكار أفكار جديدة تدفع عجلة التنمية وتسهم فى تحقيق الرخاء.

إن بحث هذا الشباب الجديد عن الحرية فى واقعه بعد أن تمتع بحريته الافتراضية ليس من قبيل الوهم، فاختراع الطائرات والصواريخ بدأ بحلم الإنسان بالطيران. وقد انطلقت القافلة ولن يستطيع أحد إيقافها، فإما التجاوب معها والاستفادة من قوة دفعها، أو الموت تحت أقدامها وفى هذا خسارة للجميع.

التعليقات