الإنسان ذلك المعلوم 8 ــ سيد مؤتمن - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 8 ــ سيد مؤتمن

نشر فى : الجمعة 7 مارس 2014 - 6:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 مارس 2014 - 9:38 ص

(1)

تفرد الإنسان بين جميع المخلوقات بالعقل والإرادة وحرية الاختيار، وقد جعله الله مخلوقا فريدا بين الكائنات، فهو مخير يفعل ما يريد، وهو أيضا مسير مخدوم فيما لا يقدر على صنعه، ومدعوم بما وهبه الله من نعم كثيرة، فهو غير مسئول عن أجهزة جسده (التنفسى والدورى والهضمى والعصبى) كل ذلك تكفل به الله على أحسن نظام وأكمله، كما أن الإنسان مدعوم بالعقل والتفكير والنظر فى عواقب الأمور.

وتكريم الله للإنسان وتمييزه له جعله سيدا بين الكائنات يديرها ويستخدمها فهو مؤتمن عليها يتحمل أمانة الحفاظ على الأرض وما فيها.

وهذه مسئولية سماها القرآن الكريم «الأمانة» حيث يقول ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولا))

فما هى طبيعة الأمانة التى يتحملها الإنسان؟

(2)

تقوم الأمانة على ثلاثة أركان هى:

1ــ ضبط الإنسان لنفسه وعقله وجسده

2 ــ رعاية كل ما حواه بإتقان وإحسان

3 ــ دوام استشعار مراقبة الله

فأول ركن للأمانة مسئولية الإنسان عن نفسه فيحرص على سلامة نفسه وعدم الإضرار بها، فالنفس (جسد وروح) هى التى نمارس بها الحياة، وهى وسيلة العيش والسعادة، فلابد أن يحافظ عليها سليمة ومعافاة من الأمراض العضوية، والنفسية والعقلية حتى يعيش الإنسان قادرا على تحمل مسئولياته.

وقد يتعرف الواحد منا على معظم أمراض الجسد، بل ويتوقاها كما يجتهد فى علاجها إذا هاجمته، أما «أمراض النفس» فكثيرا ما يغفل الإنسان عنها، وأخطر أمراض النفس هى العجز والكسل والإحباط، ويليها الطمع والحسد، ثم اتباع الهوى والإجرام، والبغى والعدوان والجبن والجحود. وتلك كلها أمراض نفسية تجعل الإنسان عاجزا عن تقبل الحياة والسعادة فيها.

كذلك قد لا يفطن إلى «أمراض العقل»، وأبرزها «الجهل البسيط» و«الجهل المركب»، فأما الجهل البسيط فهو الأمية اللغوية والأمية الثقافية.

أما الجهل المركب فيبدو واضحا فى «الظن الخطأ» الناتج عن «عدم الدراية» و«التسرع»، و«الحمق» و«الخبث» و«الخيانة» و«السفه» و«الإسراف» و«التبذير»... إلخ. وكل هذه الأمراض العقلية تفقد الإنسان قدرته على حسن الإدراك، وحسن تقدير الأمور وحسن التصرف. وإذا تسرب واحد منها لجسد الإنسان، أو لنفسه أو لعقله سرعان ما يسقط المصاب من عليائه ((فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) منحدرا إلى ((أَسْفَلَ سَافِلِينَ)).

لهذا فأول «أمانات الإنسان» أن يراقب نفسه حتى لا يصيبها مرض من تلك الأمراض، فيعجز عن ممارسة حياته بصورة صحيحة فيصبح مضيعا للأمانة التى حملها.

كذلك فأبرز الأمانات أن يتقن الإنسان جميع ما يؤديه نظريا وعمليا طبقا للأصول التى تعلمها دون إهمال، فالعلم الذى يعلمه الله لنا أمانة سيراقبنا ونحن نمارسها.

(3)

والركن الثانى للأمانة يظهر فيما فرضه الله علينا، ومن هذه الفرائض واجباتنا نحو الله من العبادة والتنزيه والطاعة والتوحيد.

لذلك عبر الرسول عن تلك الأمانة قائلا «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»

ومن الأمانة واجباتنا نحو الرسول من وجوب الاقتداء به والاستجابة لدعوته، وطاعته وعدم معصيته، والصلاة والتسليم عليه. ولذلك يقول الله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ))

ومن الأمانات واجباتنا نحو الناس، فجميع علاقاتنا البشرية (أسرية مع الوالدين والزوجة والأبناء والإخوة والأقارب ثم مع ذوى الأرحام والأصهار) كلها أمانات لابد من مراعاتها.

كذلك فالكون كله بما فيه أمانة معلقة فى أعناقنا نستخرج منه أرزاقنا دون إسراف ولا تبذير، ونحافظ عليه دون فساد أو إفساد، ونسعى دائما لتعظيم الثروات التى منحنا الله إياها.

بهذه الضوابط السابقة يستطيع الإنسان أن يتحمل الأمانة تحملا شرعيا ويتجنب عتاب الله له.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات