فى جذور الدكتاتورية - حسام السكرى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى جذور الدكتاتورية

نشر فى : الأحد 7 سبتمبر 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : الأحد 7 سبتمبر 2014 - 10:05 ص

«انت بتجيب الكلام ده منين؟ من أى معجم؟»

سؤال طرحته علىَّ، بغضب، زميلة كانت تعمل معى. أزعجها ما سمعته من اصطلاحات استخدمها فى برنامج إذاعى كتبته وقدمته فى بى بى سى بعنوان «حكايات المقهى الإلكتروني».

بدأت الكتابة عن الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات قبل شهر واحد من دخولها إلى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فى مصر. ظهر أول مقالاتى فى الأهرام الدولى فى سبتمبر عام ثلاثة وتسعين، وتحول اهتمامى العابر إلى انغماس، ثم إلى باب أسبوعى، تطور إلى برنامج إذاعى ثم دراسة متخصصة، فى كلية لندن للسياسة والاقتصاد. كنت أحاول فى «المقهى الإلكتروني» أن أشرح للمستمع العادى أننا مقبلون على ثورة ستغير كل المفاهيم فى غضون سنوات.

اليوم، يتحدث الكبار والصغار والمتعلمون ومن لم ينالوا حظا من التعليم عن «الفرمته» و«الداونلود» و«والتبليك» و«التدليت» ومواقع النت، دون أى تردد أو التباس. أما آنذاك فكان ينبغى شرح معنى كلمة «الإنترنت»، فى كل حلقة ترد فيه إشارة إليها.

كانت الصديقة التى تمت بصلة قرابة للغوى كبير ومعروف، حفر أثرا فى المؤسسة وفى مستمعيها ببرامجه عن الشعر وسلامة اللغة، منزعجة أشد الانزعاج، لأننى «اخترعت» كلمة «الإنترنتيون» فى محاولة منى لتجنب جملة مثل «مستخدمو شبكة الإنترنت، وهى شبكة تتكون من..».

أردت أن تكون اصطلاحاتى العربية كلمة مقابل كلمة. الإنترنتيون فى مقابل netters.

كان «دفاعي» وقتها أن المعاجم تخلو من هذه الاصطلاحات، وأن اللغة تتطور من خلال مستخدميها. ومع ظهور كل مفهوم جديد، يجتهد من هم مثلى فى اقتراح البدائل الملائمة والدالة على المعنى. فى النهاية «يقر» الناس أحدها بإقبالهم على استخدامه ليصبح هو المعتمد. خذ مثلا تعبيرات: الأقراص الضوئية، المدمجة، المضغوطة أو حتى أقراص الليز، والوسائط المتعددة. كلها تدل على نفس الشيء. بعضها اختفى وبعضها لا يزال مستمرا.

موقفنا من اللغة يتناسب بدقة مع مفاهيمنا المجتمعية والسياسية بل وحتى علاقات الأسرة. نحن فى حاجة دائمة إلى «مرجعية»، علاقاتنا لا يتم ترتيبها طبقا لتوافق اجتماعى ولكنها دائما مفروضة، وفوقية. وما تفعله نخب اللغة ترتكبه نخب السياسة. كلمات لغتنا لا تأتى من المجتمع ومن استخدام الناس. ثقافتهم شعبية ومرفوضة، ولغتهم غير مرحب بها بين دفات المعاجم والقواميس. لغتنا ككل شيء، تفرض من فوق، من مجمع، من «المثقفين»، من معجم ألفته نخبة ماتت واندثرت من قرون، يفرض ورثتها مفاهيمهم على الناس بعد أكثر من ألف عام.

ذكرنى بالقصة وبالموضوع ما قرأته عن مصطلح «السلفي» Selfie. أى الصورة التى يلتقطها المرء لنفسه وهو يحمل أداة التصوير بغرض تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى. فرضت الكلمة نفسها، كغيرها من الكلمات على مؤلفى قاموس أوكسفورد. فى عام 2012 اختيرت لتكون «كلمة العام»، وبعدها بسنة دخلت المعجم بتعريف محدد وواضح ودقيق. قل لى بالله عليك. كم كلمة عندنا صكها الناس واستخدموها ففرضت نفسها على المعجم؟

كم قرارا نبع من احتياج الناس، وليس من مصالح الخاصة، انتهى به الحال قانونا أو تشريعا؟

معاجمنا ماتت، ومجامعنا نائمة، وشعوبنا تحتضر وتتنافس على مكان الصدارة فى قائمة المرشحين للانقراض.

ولم يبق أمل إلا أن يفرض الناس فى وقت ما، حياتهم، وقرارهم، وكلمتهم.. بشكل ما!

التعليقات