شر البلية - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شر البلية

نشر فى : السبت 7 نوفمبر 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : السبت 7 نوفمبر 2015 - 8:15 ص

ضحكت فى كمى، أكثر من مرة، وأنا أقرأ وصف الحالة المرضية التى أصابت أحد المواطنين حين قرأ عبارات ــ جنسية فيما يبدو ــ تسببت، يا ولداه، فى إصابته باضطراب فى ضربات القلب، وإعياء شديد، وانخفاض حاد فى الضغط.. واجب علينا أن نقول له «حمدا لله على سلامتك» لكن قد نسأله عما فعله، مع نفسه، وأدى به إلى وضعه الصحى المتدهور.

بعيدا عن انتظار إجابته، التى من الممكن أن تكون كاذبة أو محرجة، من حقنا أن نعاتبه على ممارسة ومواصلة القراءة، فإذا كانت السجائر تتعبك، لماذا تدخن.. وطالما أن الخمر ــ والعياذ بالله ــ تمرضك، فإن عليك بالإقلاع عنها فورا.

صاحبنا، فيما يبدو، لم يستطع التوقف عن القراءة، استجاب لإغرائها، وظن أنها مقالة، بينما هى مجرد فصل من رواية «استخدام الحياة» لأحمد ناجى، نشر فى أحد أعداد مجلة «أخبار الأدب».. الفصل مكتوب بلسان الراوى، يرصد فيه شكل القاهرة فى يوم عطلة، ويرسم الأجواء المحيطة بمجموعة أصدقاء، يعيشون حياة خاوية، لا تخلو من متع عابرة، ذابلة، والواضح أن البطل من النوع المتأمل، متوغل فى أحراش المدينة، متفهم لنفوس القاطنين فيها، وهو صاحب أسلوب أدبى رشيق وجرئ، يجيد الالتفات إلى التفاصيل ولا يفوته استخلاص النتائج.. مثلا، عن تجربة تعاطى المخدرات، يقول «كم هى مملة.. أو للدقة لا تكفى، وإذا ترك الواحد منا نفسه يقع حتى النخاع فى حب المخدرات، فحياته ستنتهى فى أشهر معدودة. هذا ما يقوله العلم والتجرية، نحن الباقون فى هذه الغرفة أجبن من أن ننهى حياتنا بهذه الطريقة أو بأى طريقة أخرى، ربما لأننا معلقون بالأمل، مربوطون بالمحبة والصداقة».

أخونا، المتشكى مما أصابه بسبب قراءته للمواقف الجنسية الواردة فى الفصل المنشور، يعانى من حساسية خاصة، تجاه ألفاظ وتعبيرات متوافرة فى العشرات من كتب التراث، بل فى الأدب الحديث، الأجنبى والعربى.. وحمدا لله أنه لم يقرأ «لأن القيامة لا تقوم» وغيرها من قصص الموهوب يوسف إدريس، ولم يطلع على «أبوفودة» و«الفراش الشاغر» لعمنا الكبير يحيى حقى، وإلا كان سيعمل على جرجرتهما فى المحاكم، على نحو ما يعمل مع المحدث، الذى سيصبح له شأن أدبى كبير، مستقبلا، أحمد ناجى.

المصاب بالوعكة الخطيرة، جراء التهامه للفصل المذكور، رفع قضية ضد الكاتب، تلقفتها النيابة بحماسة، وقدمتها إلى محكمة الجنايات ــ هكذا، دفعة واحدة ــ وهو وضع قاتم، سوداوى، ينذر بأوخم العواقب، ثقافيا، ويصب فى طاحونة الفاشية المقيتة.

لكن، للمأساة، أو التراجيديا، لها الجانب الكوميدى الآخر، وأعترف، أننى ضحكت كثيرا، بقلبى، بينما عقلى يكاد يجهش بالبكاء.. السبب، يكمن فى تلك اللغة الطنانة، التى عفا عليها الزمن، المكتوبة بها لائحة الاتهامات.. دع عنك تشبيه الروائى بـ«الذباب»، حيث «لا يرى إلا القاذورات فيسلط عليها الأضواء ــ والكاميرات ــ حتى عمت الفوضى وانتشرت النار فى الهشيم».. ولك أن تتساءل: هل المنشور نص أدبى أم فيلم سينمائى يستخدم الإضاءة والكاميرا.. ثم أين تلك الفوضى التى سببتها بضعة سطور، من حق أى إنسان عدم استساغتها، لكن، من المغالاة الزعم أنها نشرت النار فى الهشيم.

بعيدا عن التجريح، سمعت قرع الطبول الجوفاء، حين قرأت «المتهم خرج عن المثل العامة المصطلح عليها فولدت سفاحا مشاهد صورت اجتماع الجنسين جهرة».. علما بأن المشاهد المقصودة تمت ليلا، فى غرفة مغلقة، ولم تكن جهرا، نهارا.
هذه القضية، هل هى مرحلة فى الهبوط والتعسف، أم تبشر بآفاق مأمولة.. ننتظر، ونرى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات