مصر تتعرف على العنف - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 4:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر تتعرف على العنف

نشر فى : الأربعاء 8 يناير 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 يناير 2014 - 8:40 ص

تجرى الآن محاولة داخل مصر لتعريف مصر على العنف. وهذا معناه أننا بصدد محاولة لتعريف مصر بالعنف الداخلى وليس بالعنف الآتى من الخارج. فقد عرفت مصر جيدا العنف الخارجى. جربته وذاقت قسوته ومعاناته، ربما بنسب تتجاوز كثيرا النسب التى عرفته بها البلدان العربية الأخرى خاصة المجاورة منها.

وإننا لنعرف جيدا أن إسرائيل هى التى تكفلت على مدى الستين سنة الماضية بإذاقتنا العنف الخارجى. ونعرف إلى أى مدى كانت إسرائيل تطمح إلى خلق عنف داخلى فى مصر، خاصة العنف الذى ارتبط بالجالية اليهودية فى اربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، لكن اسرائيل فشلت فشلا مطلقا فى تحقيق هذا الهدف قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها. بعد ذلك جاء الوقت الذى اقتنعت فيه اسرائيل بانها لن تعرف السلام إلا اذا تعاقدت عليه مع مصر. وهذا ما حدث بالفعل منذ أواخر سبعينيات القرن الماضى حتى الآن. مع ذلك فلا يمكن لنا أن نستبعد وجود خطة أو ربما خطط إسرائيلية لزرع العنف الداخلى فى مصر ليكون وسيلة قصوى لشغل مصر عن الشئون العربية التى لا يمكن لمصر إلا ان تعنى بها وتلتفت إليها باهتمام قومى.

إلا أن البادى الآن ان الولايات المتحدة بالذات تعنى عناية قصوى بخلق العنف الداخلى فى مصر. لقد أصبحت الولايات المتحدة تؤدى دورا رئيسيا يهدف إلى تكوين العنف الداخلى فى مصر منذ ان انخرطت الولايات المتحدة فى خطط تقسيم البلدان العربية إلى وحدات صغيرة عديمة القيمة والقوة والقدرة. ونعنى الخطط التى بدأت الولايات المتحدة العمل بها ابتداء من تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن قبل نحو ثلاث سنوات.

•••

حققت الولايات المتحدة نجاحا مطلقا لهذه الخطط فى كل الارجاء العربية إلا فى مصر. لم تدرك الولايات المتحدة اخفاق خططها فى مصر من بداياتها ولكنها لم تتأخر كثيرا فى ادراك هذا الاخفاق ولم تتأخر بالتالى فى مراجعة نفسها. ولهذا بدا أنها تتخلى عن دور تنظيم الإخوان فى هذه الخطط فى مصر. وهو الدور الذى أعاد إلى الاذهان تفصيلات العلاقات القديمة لهذا الدور الذى يرجع إلى بدايات تكوين تنظيم الإخوان فى مصر ونما بنمو هذا الدور فى اربعينيات القرن الماضى وما تلا ذلك. ولكن التخلى الأمريكى عن دور الإخوان على الرغم من اخفاقه مع ثورة 25 يناير ثم مع ثورة 30 يونيو لم يتخذ شكلا مطلقا. ظلت الولايات المتحدة متمسكة بأداة الإخوان، لم تتخل عنها طوال الاحداث التالية لثورة 30 يونيو على الرغم من بزوغ دور الجيش المصرى فى افشال الخطة الأمريكية-الاخوانية المشتركة. وعلينا ان ندرك ان اميركا لا تزال متمسكة بالإخوان كأداة لإثارة الاضطراب فى مصر. من ناحية لان تنظيم الإخوان رغم الفشل الذريع الذى اصابه لا يزال التنظيم الوحيد الذى يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه، ومن ناحية اخرى لغياب أى تنظيم آخر فى داخل مصر يمكن له أن يلجأ للعنف لاثارة الاضطراب لدوافع داخلية أو خارجية. ومن ناحية ثالثة لآنه لا يوجد تنظيم «داخلي» آخر تعرفه اميركا معرفتها بالإخوان. ورابعا لأن تنظيم الاخوان من وجهة النظر الأمريكية يملك امتدادا خارجيا. وان يكن هذا الامتداد الخارجى يكشف عن ضعف التنظيم من الناحية المصرية أكثر مما يكشف عن قوة فى النواحى العربية والاسلامية الاخرى.

•••

ويخوض تنظيم الإخوان الآن تجربة بالغة الصعوبة تتمثل فى محاولة توجيه التنظيم الداخلى عن طريق اوامر وخطط اجرامية خارجية. لقد فشل التنظيم الخارجى فى رسم خطط خارجية تنفذ داخليا فى مصر، ان الخطط الخارجية التى تنفذ باوامر تصدر إلى بقايا التنظيم الاخوانى فى مصر قد برهنت على فشل ذريع ليس فقط فى قدرة الخارج على توجيه الداخل، انما على يقظة الشعب المصرى وقواه العسكرية والبوليسية إزاء ما يحاك من خطط ومحاولات لتنفيذها داخل مصر. ان النتائج التى اسفرت عنها محاولات اخوان الخارج لتوجيه الداخل لتنفيذ خطط تدميرية لم تسفر الا عن ضربات قريبة فى حجمها وتأثيرها إلى حجم وتأثير حوادث القطارات وتصادم السيارات وانهيار المساكن القديمة، وهى حوادث مألوفة فى مصر. وفضلا عن ذلك فان الدولة تتخذ ازاءها من الاجراءات ما يحقق فشلها فى ان تنفذ مجددا على الارض المصرية. ولن يمضى وقت طويل أو حتى قصير قبل ان تختفى هذه الحوادث العارضة التى يريد الاخوان اثبات وجودهم من خلالها.

لقد تعرفت مصر على العنف من خلال هذه العمليات الفاشلة للاخوان. ويبقى ان تكشف مصر اذا كان للتنظيم الاخوانى الخارجى علاقة بالاجهزة الخارجية ــ المخابراتية غالبا ــ التى تمولها وتوجهها الولايات المتحدة، ذلك ان تنظيما مثل تنظيم الاخوان لا يستطيع ان يقوم باى نشاط داخلى دون تفكير وتخطيط من هذا التنظيم نفسه فى الخارج. والفشل المتكرر لنشاطه يؤدى حتما إلى ضعف متزايد ينتهى بالموت.

تبقى مصر ويتضاءل العنف ويزيد ضعفه وينتهى إلى زوال. وهذا امر تدركه أمريكا ولا تملك الا ان تسلم به. وهو ما بدأته فعلا.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات