جاءت قصة التعديل الوزارى بأكملها، ومن بدايتها وحتى نهايتها، لتكشف لنا مجددا، أن كل ما يحدث لا يعدو أن يكون إلا صخبا للسلطة، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يهدف لشىء، ولا يقف على فلسفة محددة للتغيير، بل ينضم إلى قائمة العشوائيات التى باتت تحكم غالبية مناحى الحياة فى بر مصر.
الحالة السياسية كانت تستدعى تغيير الحكومة، وعلى وجه التحديد رئيس الحكومة ذاته، وعلى أن يكون الجديد من الشخصيات التكنوقراطية غير المحسوبة على أى تيار، استعدادا للانتخابات البرلمانية، أى أن فلسفة طلب التغيير الوزارى كانت تهدف الوصول إلى حكومة محايدة للإشراف على الانتخابات، وأيضا كانت فلسفة التغيير تهدف إلى تكوين مجموعة اقتصادية جديدة للعمل على مواجهة الأزمة الاقتصادية التى باتت تعلن عن نفسها بقوة يوما بعد آخر، فانشغل التعديل بدعم جماعة الاخوان المسلمين وفكرهم حتى فى هذا الملف الشائك «المالية والاستثمار والتخطيط والبترول»، أى أن التعديل ذهب فى اتجاه معاكس تماما للفلسفة التى كانت مرجوة منه، وهو ما يزيد الانشقاق السياسى وسيساهم بفاعلية أكبر فى الانقسام الحاصل فى البلاد، أما ما تبقى من وزارات التعديل، فقد جاء لشغل وزارات استقال وزراؤها « العدل، المجالس النيابية» أو وزارات هامشية مثل «الثقافة والآثار»، ولا يتبقى من التعديل التساعى سوى الزراعة، والتى لم يتحدث عنها أحد من قبل.
وإذا أضفنا إلى فلسفة التعديل الذى حدث، الارتباك الذى ساد القصة برمتها، مثل توقيت الإعلان الذى ارتبط بسفر الرئيس لزيارة خارجية (البرازيل)، والاكتفاء بتسعة وزراء بدلا من أحد عشر وزيرا كما أعلن رئيس الوزراء بنفسه قبل ساعات من إعلان التغيير، نكتشف أننا أمام حالة مثالية من التخبط والعناد وفقر الرؤية واختفاء السياسة، لنذهب جميعا إلى طريق لا يمكن أن تكون سالكة تجاه أى شىء تبحث عنه مصر فى هذه اللحظات الخاصة والحرجة.
لا يمكن أن يكون صخب السلطة هو الحل، أمام المأزق الذى يواجه البلاد، سواء المأزق الاقتصادى أو السياسى، أو حتى القانونى، وهو استهتار بمصالح الناس وعدم احترام لرغباتهم، كما أنه يخرج أهداف الثورة تماما من معادلة التغيير والتفكير فى المستقبل، كما أن كل ذلك يظلم الأسماء الجديدة التى انضمت إلى حكومة مرفوضة من جميع القوى، بما فيها القوى التابعة للنظام ذاته، والتى بالتأكيد سترحب بالتعديل وستتحدث عن عبقريته وتأكد أنها أفضل حكومة فى الدنيا، تماما مثل الدستور الذى قالوا عنه أنه أفضل دستور فى العالم، وبعد أيام قليلة اعترفوا بأن هناك ما يقرب من ١٥ مادة تحتاج إلى تعديل. وأخشى ما أخشاه أن يتحول صخب السلطة فى ظل هذه العشوائية السياسية إلى عبث بالسلطة ومقدرات هذا الشعب.