تيخة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 12:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تيخة

نشر فى : الأربعاء 8 سبتمبر 2010 - 9:56 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 سبتمبر 2010 - 9:56 ص

 نور آت من داخله، يشع برقة من ملامح وجهه العامر بضياء الرضاء والسكينة. إنه تجسيد لنوع مشرق من السلام الروحى، لا يتأتى إلا لمن كان قلبه عامرا بالصفاء. لا يعرف الضغينة أو الكراهية، لم ولن يكون طرفا فى صراع، يفيض بمحبته على كل من حوله، يحنو على الضعفاء، ومنكسرى القلوب، يرنو بعينين تفضيان بالوجد نحو السماء فيبدو كما لو أنه يستمتع بأعذب الألحان.

بهذه الأبعاد الداخلية، تفهم مدحت تيخة شخصية «سلام»، أو «الشيخ سلام»، فى مسلسل «شيخ العرب همام».. ومنذ البداية، جاء اختياره نموذجيا، يتوافق تماما مع طبيعة دوره من ناحية، ويتواءم مع «شكل» شقيقه يحيى الفخرانى من ناحية أخرى. مدحت، البدين، شأنه شأن الفخرانى، يتمتع بوجه ضخم، يعبر بقسماته الواضحة، بدقة، عن أدق الأحاسيس، على نحو مرهف..

وإذا كان الكاتب، عبدالرحيم كمال، رسم شخصيات أبطاله بخبرة واقعية ودراية تاريخية، فإن الممثلين، إجمالا، استوعبوا خصائص النماذج البشرية التى يجسدونها. وطبعا، لا يمكن إغفال نجاح المخرج، حسين صالح، فى تحديد وتأكيد علاقات أبطاله، مع بعضها بعضا، سواء بالحركة أو باللفتة أو بالنظرة أو بنبرة الصوت.

فى الحلقات الأولى، أيام كبير الهمامية «يوسف»، بأداء خلاب من عمر الحريرى، يكاد الابن «سلام» أن يتحول إلى «أب» أو «أم».. الرجل العجوز، بجسمه الهزيل، يجد راحته وطمأنينته، حين يضع رأسه على حجر «سلام»، بل يلتصق به، كما لو أن هذا الابن هو مرفأ الأمان، وهو العزاء الذى يخفف عنه لحظات سكرات الموت.

صوت مدحت تيخة، طوال المسلسل، لم يرتفع أبدا. قد يلونه بما يشبه العتاب، والأسى أحيانا، ويتحول الاحتجاج والغضب عنده إلى نصيحة ورجاء، فعندما يصدر «همام» أوامره الصارمة بوضع أحد المشعوذين داخل مقبرة ويغلق بابها إلى أن يموت، يحاول «سلام»، بصوت مترع بالتوسل، أن يثنى شقيقه عن عزمه.. يحيى الفخرانى، بحساسيته، أدرك بعمق أن «سلام» ليس مجرد «بركة» وشقيق وابن، بل هو جزء من ذاته، يمثل الجانب الطيب، الشفاف، ويتحول هذا الإحساس إلى حركة مادية، سواء بالنظرات أو باقترابها الشديد من بعضها بعضا، أو بالأحضان حيث يبدو الجسدان كما لو أنهما لكائن واحد.

«الشيخ سلام»، بأداء مدحت تيخة، هو أقرب للحلم، والفكرة، والقيمة، وبملائكيته، ونزعته الصوفية، يبدو قلبه عامرا بالإيمان الذى يتجلى عندما تكبله عصابة من شذاذ الآفاق، وتبحر به فى النيل، ينظر نحو السماء وعلى وجهه ابتسامة ثقة فى الله، وكأنه يردد فى داخله: فى وادى ظل الموت لا أخاف لأنك معى.

قلب «الشيخ سلام» الكبير، يحتضن الجميع، يخفق بالألم من أجل «جابر»، الذى أحب ولم يتزوج.. يعطف على ابنة عمه التى أضناها رفض والدها للاقتران بمن تهواه. وبلا تردد، ببساطة، يدخل «الشيخ سلام» حقل الألغام عندما يجرؤ، بشجاعة، أن يطلب من عمه القاسى، بأداء مميز من عبدالعزيز مخيون، تزويج ابنته للمغضوب عليه «جابر».. مدحت تيخة، فى مشهد النهاية، ليلة عرسه، يقول لشقيقه جملة تحتمل معنى ظاهريا وآخر خفيا «هاتوحشنى يا همام»، وحين يفارق الحياة، بوجه ناطق بالبشر، ندرك المعنى الأعمق. إنه ممثل كبير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات