التعليم.. الوسيلة والمؤشر والدليل - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم.. الوسيلة والمؤشر والدليل

نشر فى : الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 8:15 ص

لتكن إحدى آثار الثورة على الفكر المصرى هى التحول من الاقتراب الكمى إلى الاقتراب الكيفى فى تقييم قوة مصر والمصريين. فلا يهم أننا أكبر الشعوب العربية عددا أو أن هناك مصرى من بين كل أربعة عرب. ولكن الأهم هو القيمة المضافة للمصرى فى العلم والفكر فى داخل مصر وخارجها.

 

فالعدد لا يمثل قوة فى حد ذاته إلا إذا ما تم تحويله عمليا إلى قوة اقتصادية تكنولوجة ومن ثم سياسية على الصعيدين الإقليمى ثم العالمى. وأقول هنا الصعيد العالمى وليس الدولى لأن الفاعلين من غير الدول أثبتوا أنهم يستطيعون تحدى إرادات الدول والتدخل فى العلاقات «الدولية» متى أصبحت لديهم القدرة على التفكير العلمى والتخطيط ومن ثم التنظيم والتحرك بفاعلية. ولقد أثبتت الانتفاضات المتتالية فى الدول العربية أن مصر وتونس وليبيا وسوريا لا يمكن اختزالها فى مؤسسات الدولة. وإنما أصبحت منظمات المجتمع المدنى والحركات الشعبية من الفاعلين الأساسيين فى صنع واتخاذ القرار. وإن دل هذا التحول على شىء، فإنما يدل على تقدم الشعوب وتحولها من رعايا إلى مواطنين.

 

●●●

 

لذلك يظل التعليم النقطة المحورية فى مثل هذا التحول. فيستحيل أن نتجاهل أن تدهور نظام التعليم وتغييب المجتمعات كان ويظل من أهم الأسلحة التى تستخدمها الأنظمة السلطوية والشمولية بهدف السيطرة على المجتمع. فمن المفارقة أن حكام هذه الأنظمة هم الأكثر فهما وإيمانا بمكانة العلماء والمتعلمين فى المجتمع. وفى هذا الإطار، يصبح من المشروع أن نتساءل: لماذا لم تستخدم الدول النفطية فى العالم العربى العائدات الهائلة فى تطوير مناهج التعليم لديها بدلا من صرف الملايين على ابتعاث الطلاب إلى الخارج أو استيراد الكوادر الأجنبية؟ لماذا تستقدم دول الخليج العقول الغربية وتجعلها حبيسة فروع الجامعات الأمريكية والفرنسية باهظة المصاريف بدلا من تطعيم نظام التعليم المحلى بهذه العقول والأخذ بنصائحها فى تطوير مضمون المناهج التعليمية؟

 

هنا إذن مربط الفرس: يعد مدخل أو منهج تطوير التعليم من أقوى المؤشرات على صلاح وصلاحية النظام السياسى أيا كانت أيديولوجيته وتوجهه. ويظل التعليم هومفتاح تحويل اللحظة الثورية إلى تغيير طويل المدى والمفعول. ومن هنا يكون التساؤل: أين موقع التعليم من التحولات الحالية فى مصر منذ الثورة؟ للأسف تحمل الإجابة عددا من المؤشرات التى لا تبشر بالخير.

 

●●●

 

أولا: الحق يقال إنه يكتب للأحزاب الإسلامية  وخاصة السلفية  نشاطها فى الاهتمام بقضية التعليم فى مصر. كما شملت برامج الأحزاب الجديدة والسادة مرشحى الرئاسة بلا استثناء قسما عن تطوير التعليم. لكن ما تمت مناقشته بخصوص التعليم فى البرلمان المنحل وفى بعض تصريحات المسئولين فى الحكومة الجديدة بل وفى المادة ٢٧ من مسودة باب الحقوق والحريات والواجبات العامة أو المادة ٢٤ من مسودة باب المقومات الأساسية للدولة فى الدستور الجديد يدور حول تطعيم نظام التعليم بالدين الإسلامى كما تفسره التيارات المسيطرة حاليا على صنع السياسات العامة للدولة. وبشكل عام، تسيطر النظرة إلى التعليم كمشروع قومى نهضوى يركز على «كمية» التطوير فى مواجهة «كيفية» التطوير. وإنما اعتمد الاقتراب المستخدم فى البرامج المختلفة  ومنها برنامج النهضة لحزب الحرية والعدالة  على تطوير التعليم من حيث الكم: زيادة نسبة التعليم فى الموازنة العامة للدولة وزيادة عدد المتعلمين وتقليل عدد الأميين وزيادة المرتبات وزيادة فرص العمل.

 

ثانياً: وهوالمؤشرالأهم، هوأن الثورة لم تخترق المؤسسات التعليمية ولم توقظ القائمين عليها بعد. وأختص هنا بالحديث أهل الجامعات المصرية. فما تزال المنظومة التعليمية والقائمين عليها فى الغالبية العظمى من أهم عوامل تأخر بعض العقول المصرية واستمرار «هروب» البعض الآخر منها. وأستدل هنا بأكثر من دليل. أو ل هذه الدلائل هى تحول الكثير من أساتذة الجامعات إلى نجوم ونشطاء سياسيين بل وإعلاميين وإهمالهم رسالتهم التعليمية تحت ذريعة الإنشغال بالعمل العام والمساهمة فى إعاة بناء مصر فى هذه المرحلة الهامة من التاريخ. أو ليس من أفضل وسائل المساهمة هو إنتاج نخبة جديدة بديلة تتمتع بنوعية أرقى من التعليم والتفكير الحديث وقادرة على وضع مصر «على الخريطة» مثلما يقول شعار حملة مدينة «زويل» العلمية؟ ومع ذلك، مايزال يطلق هؤلاء على أنفسهم لقب «أساتذة» جامعيين. ثانى هذه الدلائل هواستمرار العمل باللوائح والقوانين الجامعية القديمة التى تكرس الهيراركية فى النظام الجامعى وتجعل من كل أستاذ جامعى إلها لكل من هم أسفل منه فى السلم الإدارى. ويكفى أن ننظر حولنا لنرى كم من الأساتذة والعلماء المهاجرين الناجحين تحمسوا للرجوع إلى مصر بعد الثورة من أجل المساهمة فى إعادة بنائها ثم هربوا من جديد عندما رأوا أن نفس الأشخاص مايزالون فى أماكنهم ويمارسون «رسالتهم التعليمية» بنفس عقلية الألهة. فبالإضافة إلى صعوبة تحمل ظروف الحياة اليومية الصعبة فى مصر، وجد الكثير منهم أن عليه تحمل تحكم مجالس الأقسام داخل الكليات فيما يستطيعون أو لا يستطيعون تدريسه من مناهج ومواد علمية. ثم وجدوا أنفسهم مواجهين بالجملة الشهيرة «لأ، أصل الكلام ده ماينفعش فى مصر» أو «أن اللائحة لا تسمح» أو أنه يجب عليهم المرور بمسلسل سخيف من الإجراءات البيروقراطية المتتالية لمعادلة الشهادات التى حصلوا عليها من جامعات مرموقة بهدف التأكد من أنها تعادل الشهادات العليا التى تمنحها الجامعات المصرية.

 

●●●

 

إن التعليم هو الوسيلة الأساسية لتحويل الثورة إلى ثروة إنسانية قادرة على إحداث التغيير الجذرى على المدى الطويل. وسيظل التعليم المؤشر والدليل على أهداف من هم فى سدة الحكم. هل الهدف هو تمكين المصريين من تعريف مصلحتهم القومية بأنفسهم حتى ولوكانت تتعارض مع مصلحة «الجماعة» أو «الدعوة» أو الحزب الحاكم؟ أم الهدف هو الإبقاء على «البلم» والحفظ دون الفهم من أجل ضمان سهولة التحكم؟

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات