مالك.. وحديثٌ غيرُ حسن - سلمى حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مالك.. وحديثٌ غيرُ حسن

نشر فى : الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 8:25 ص

تحوم طائرة أول رئيس منتخب فى منطقة خطرة.. بقعة حمراء على خريطة الفساد فى العالم التى تنشرها منظمة الشفافية العالمية. من بين 143 دولة، لا يوجد أفسد منها إلا عدد بالكاد يتجاوز أصابع اليدين من الدول. تسميها تلك المنظمة «منطقة ضعيفة الحوكمة». منطقة ينفر منها ويهرب الاستثمار الأجنبى والمحلى.

 

عن مصر، التى حصلت على 2.9 من عشرة فى مؤشر الفساد أتحدث. هذه المرتبة السفلى من الفساد تكمن خلفها مؤسسات رقابية ضعيفة، ولكن أيضا ما لا يقل خطورة: آليات إفساد دأب القطاع الخاص على ممارستها، بدون رادع.

 

هذا هو السياق الذى أرغب أن أضع فيه مقتطفات من حديث صحفى أدلى به أخيرا حسن مالك رجل الأعمال القريب من جماعة الإخوان عن علاقة رئيس الدولة برجال الأعمال. وهو الذى يظل شركاته وشركاؤه وحجم ثروته غير معروفين، بما لا يخالف القانون.

 

يتحدث الرجل عن لجنة تواصل.. وهى بحسب تعريفه لجنة تم تشكيلها بمبادرة من رجال الأعمال وبموافقة الرئيس لكى يكون هناك تواصل مستمر مع الرئاسة. يقول مالك لجريدة الأهرام فى أواخر سبتمبر: «تم تشكيل اللجنة لتمثل جميع منظمات الأعمال فى مصر (...) اللجنة تتشكل من ممثلين اتحاد الصناعات والغرف التجارية وجمعية رجال الأعمال وشباب رجال الأعمال (...) هذه اللجنة وجدنا أنها يمكن أن تؤدى دورين معا.. دور تنسيقى بين جميع منظمات مجتمع الأعمال المدنى كما تقوم فى نفس الوقت بالتواصل مع مؤسسة الرئاسة».

 

شأن كبار المستثمرين فى عهد مبارك شأن أقرانهم فى الدول ضعيفة الحوكمة. فلكى يتقى هؤلاء مخاطر عدم الاستقرار السياسى (المصاحب دائما للدول القمعية والفاسدة) دأبوا على حماية سير أعمالهم وضمان توسعها عن طريق القرب دائما من دوائر صنع القرار، لأن مؤسسات الدولة ضعيفة وغير قادرة على إنفاذ القوانين. ولعب هذا الدور مؤسسات وجماعات ضغط امتزج فيها مستثمرون مع رجال دولة، هى عينها تلك المنظمات التى ذكرها مالك، ومعظمها يرأسها نفس الشخصيات من قبل الثورة. كان هذا فى مصر مبارك، والتى ظلت فى أفضل السنوات أداءا من الدول غير الجاذبة للاستثمار العالمى الذى يفضل الذهاب إلى الدول ذات الشفافية العالية. فماذا عن عهد ما بعد الثورة؟

 

يقول مالك، مؤسس جمعية ابدأ لرجال الأعمال (والتى انضم إليها عدد ليس بقليل ممن كانوا فى الحزب الوطنى سابقا): إن جماعات الضغط مشروعة ومهمة لإيصال صوت الفئات التى وراءها. فهل من معارض؟ نعم، للأسباب الآتية.

 

أولا، أن الملاحظ عالميا أن صوت هؤلاء دائما ما يعلو على صوت من عداهم بسبب فارق الإمكانات المالية. فلا توجد جمعية «تواصل» للأطباء ولا المعلمون وعمال القطاع الخاص والعاطلون، يركبون طائرة الرئيس. ثانيا، فى مصر لا يوجد قانون يلزم الشركات ومجموعات الضغط بالإعلان عن مصادر تمويلها وحجم إنفاقها ولا أوجه الصرف.

 

إفساد قواعد اللعبة

 

 يدرس الباحث ديتر زينباور رئيس تحرير تقرير الفساد العالمى، ظاهرة متنامية عالميا سماها «إفساد قواعد اللعبة: من الضغط المشروع إلى اقتناص القوانين والسياسات».

 

ويسهب تقرير الفساد والقطاع الخاص الصادر فى 2009 فى عشرات الصفحات عن آليات الضغط التى يمارسها القطاع الخاص وأثرها على عملية صنع القرار وخلق رأى عام موات لمصالحه، مما يؤدى إلى سياسات مشوهة اجتماعيا. فمثلا فى أمريكا هناك فى المتوسط خمسة أفراد لكل نائب برلمان شغلتهم المعلنة أن «يلعبوا فى دماغه» (ترتفع هذه النسبة إلى 24 فى نيويورك عاصمة المال). ورغم عدم وضوح الصورة بهذا الشكل فى مصر، فإنهم من ثمارهم تعرفونهم. ولنا فى عهد مبارك أمثلة باقيات.

 

دعمت الحكومة ــ ولا تزال ــ حفنة من المصدرين لا يتجاوز عددهم الثلاثين بـ3 مليارات جنيه سنويا (منها شركة دولية عملاقة تملك عائلة أحد الوزراء السابقين حصة فيها) فى حين لا تدعم عشرات الآلاف من صغار الفلاحين إلا بعشر هذا المبلغ. تم تقليص الضرائب على الأرباح والدخول إلى النصف مما يفاقم من عجز الموازنة (الذى تبكى الحكومة عليه، وكأن لا حل له)، كما تم تجاهل التهرب الضريبى الذى تتراوح تقديراته بين 40 مليارا ومائة مليار جنيه مستحقة على شركات ومستثمرين ولا يتم اتخاذ أى إجراءات ضدهم، بل وتحميهم الدولة فلا يتم الكشف عن أسماء هؤلاء. وفى المقابل زادت الضرائب على الموظفين والعمال، كما تم بناء المدن السكنية الفاخرة والمصايف مزودة بأكفأ الطرق ونظم مياه الشرب والصرف المحروم منها أغلبية المصريين. فهل تغير نمط عمل جماعات الضغط تلك بعد مبارك؟

 

لا، فقد نجح هؤلاء فى استمرار امتيازاتهم السابقة، والضغط من أجل حماية أنفسهم بقانون التصالح الذى أقره المجلس العسكرى والذى يسمح بتبرئتهم نهائيا من أى تهم بالفساد أو الاستيلاء على المال العام، بأقل التكاليف المالية. وجاءت كل بنود القانون عكس دليل التصالح التى وضعته منظمة الشفافية العالمية على موقعها على الانترنت، كما بقيت المناصب الوزارية المهمة فى يد موظفين ترقوا فى كنف هذا التزاوج.

 

كل هذا صنيعة قرب جماعات ضغط رجال الأعمال بإمكاناتهم المالية وآلاتهم الدعائية من الرئاسة والبرلمان والحكومة والصحافة. فكما يرصد تقرير الفساد والقطاع الخاص أن مهمة منظمات رجال الأعمال أصبحت بفعل الأموال الطائلة قادرة على تسيير الحكومة وفق أجندتها الخاصة. لا ضرائب، حاضرة.. لا حماية لأى موظف يكشف عن فساد، حاضرة.. لا حرب ضد الاحتكار، حاضر.. وهكذا، لتبقى أى حكومة رهينة لهذه الدائرة الضارة بالصحة والتعليم والوظائف والأسعار.

 

وإذا ما دققنا النظر فى خريطة الدول التى يغطيها اللون الأحمر (من كثرة الفساد)، نجد بعض الشركات العالمية أو المحلية الكبرى، تلجأ لطرق أخرى أكثر التواء لحماية أعمالها، لم يجد مستثمرو عصر مبارك ولا الإخوان المسلمون غضاضة فيها.

 

مثلا، قد يؤسس رجال الأعمال شركاتهم العاملة فى مصر فى جزر يلجأ إليها المال المشبوه لتصعب الرقابة عليه ويسهل تحويل الأرباح المعفاة من الضرائب إليها.

 

كما قد يشرك القطاع الخاص فى أعماله وصفقاته من يعرفون بـ«الشخصيات النافذة سياسيا» Politically-exposed persons وهو مصطلح قانونى لأشخاص يمنع دليل النزاهة للاتحاد الأوربى التعامل معهم فى عالم البيزنس. وهكذا، فعين القانون لن تجرم قيام شركة بين أى من شركات خيرت الشاطر ومجموعة منصور والمغربى. بل والأخطر أنه وفقا للقوانين المصرية فلن نسمع أى خبر عن هذه الشركة، ولكن لأن الشاطر «شخص نافذ سياسيا» حاليا، فإن سليم التصرف هو أن يبتعد المستثمرون عن شراكته طالما ظل فى موقع سياسى (ملتبس، شبيه بموقع جمال مبارك فى نهاية التسعينيات).

 

الشريك النظيف للبيزنس النظيف

 

كل ذلك بالطبع بما لا يخالف القانون. ولكنه أسلوب عمل ينافى دليل النزاهة للقطاع الخاص، والذى يحتاج إليه المستثمرون أكثر ما يكون فى الدول التى ــ مثل حالتنا ــ ضعيفة مؤسساتها الرقابية. فكما يشدد تقرير الفساد والقطاع الخاص: «البيزنس النظيف يستلزم شركاء نظيفين». وهذا يختلف تماما عما رآه حسن مالك فى حديثه ذاك.

 

«الفارق بين العهدين كبير جدا.. الاقتصاد فى العهد الماضى كان نخبويا.. حيث كان يتم إقصاء المخالف للنظام»، هكذا قال الرجل، وهو من اكتوى ولجأ إلى الخفاء حتى لا تعرف الدولة القمعية حجم أعماله فتصادرها. فهو يخشى اليوم إن أُبعِد هؤلاء المستثمرون القدامى من دائرة صنع القرار لاتهموا الإخوان بإقصائهم لأسباب سياسية. والصحيح هو ألا يقترب هؤلاء من صانعى السياسات ولا مالك وغيره من رجال الأعمال الإخوان، حتى لا نظل فى نفس الدائرة الفاسدة، كما أن سليم التصرف هو أن ينأى رجال الأعمال عن أى موقع سياسى، طالما بقى تعارض المصالح غير منظم بقانون قوى نافذ.

 

فلتصدروا أبحاثا حول ضرر أو فائدة هذه السياسة أو تلك، أو لتتكلموا إلى وسائل الإعلام التى تملكونها أو تديرونها (والتى يتعين إصلاحها من ضمن الأجهزة الرقابية). ولكن ابتعدوا عن الرئيس وطائرته.

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات