من «مصر مش تونس» إلى «مصر مش إندونيسيا» - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 9:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من «مصر مش تونس» إلى «مصر مش إندونيسيا»

نشر فى : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:05 ص | آخر تحديث : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:05 ص

«مصر مش تونس» كان ذلك هو الرد المتسرع والقراءة البليدة من أركان النظام المصرى للزلزال السياسى الذى ضرب تونس وأسقط نظام بن على فى لمح البصر، حيث تبارى رجال مبارك الموظفون والمقربون وطالبو القرب فى نفى أية علاقة بين ما جرى فى تونس وما يمكن أن يجرى فى مصر.

 

والنتيجة معروفة، حيث تبين أن مصر هى تونس ونصف، وتبخر مبارك والعصابة بعد ١٨ يوما من الغضب، كنتيجة طبيعية للعمى السياسى والتبلد الفكرى الذى استفحل فى مؤسسة الحكم المصرية.

 

وقد فاجأنى وزير خارجية إندونيسيا وسفيرها فى القاهرة الأسبق السيد حسن ويراجودا حين كشف فى ورشة عمل حضرها عدد من السياسيين والمثقفين المصريين فى جزيرة بالى عن أنه كلف من الرئيس الإندونيسى بالسفر إلى القاهرة فى الفترة من السادس إلى العاشر من فبراير ٢٠١١ لنقل رسالة مباشرة إلى مبارك تنصحه بالتخلى عن الحكم طوعا، قبل أن يخلع منه كرها.. غير أن الضيف الإندونيسى الذى عمل سفيرا لبلاده فى مصر فى حقبتى السبعينيات، ثم التسعينيات، لم يتمكن من مقابلة مبارك، وبقى أياما فى القاهرة حتى التقى وزير خارجية مبارك وناظر مدرسة «مصر مش تونس» وأبلغه الرسالة، اعتمادا على أن ما يدور فى مصر سبق أن مرت به إندونيسا سوهارتو عام ١٩٩٨ وانتهى بسقوطه.

 

وكالعادة لم يخرج الرد الرسمى المصرى عن المقولة النمطية الساذجة بأن الحالة المصرية تختلف عن الحالة الإندونيسية وأن ما تشهده مصر ليس أكثر من مظاهرات ستنفض من ذاتها ولن تغير من الوضع السياسى القائم شيئا.

 

وعندها غادر الضيف الإندونيسى القاهرة فى العاشر من فبراير، ولم تمر ساعات حتى كانت عملية خلع مبارك قد تمت بنجاح باهر.

 

إن مدرسة الخصوصية المصرية وفرادتها عن غيرها من بلاد الدنيا لا تزال مسيطرة على العقول حتى الآن، حيث يتصور البعض أن العالم لايزال جزرا منعزلة، على الرغم من أن أكثر من عقدين مرا على مقولة «العالم قرية صغيرة» وأن ما يقع فى أقصى شرق المعمورة يؤثر فى أقصى غربها، وأن ما تخيله البعض مستحيلات ثبت أنه من الممكنات السهلة، فمن كان يتصور مثلا أن تثور ليبيا على من كان يحكمها بالحديد والنار وتكون نهايته كما رأينا.. ومن كان يتخيل أن ثورة شعبية هائلة تندلع فى سوريا الاستاتيكية المغلقة وتمضى فى طريقها لمدة عامين لإسقاط بشار الأسد.

 

ومن هنا يبدو مدهشا أن يمتعض البعض من فكرة المقارنة بين الكيفية التى وضع بها دستور إندونيسيا، وما تشهده مصر حاليا،  بحجة خصوصية الحالة المصرية وكأن مصر هى بيضة الديك بين دول العالم.

 

وأزعم أن على الذين يغلقون أعينهم ويصمون آذانهم عما جرى ويجرى من تجارب سياسية عالمية أن يتذكروا أن مبارك ورجاله سقطوا سقوطا مدويا لأنهم استسلموا لغوايات الخصوصية وأوهام التفرد.

 

إننا لسنا الثورة الشعبية الأولى والوحيدة فى العالم، فقط سبقنا البعض ولحق بنا البعض الآخر، ومن المؤكد أن حركة التاريخ لا تعترف بالأوهام واليقين الكاذب.

 

 

وائل قنديل كاتب صحفي