المليجى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 2:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المليجى

نشر فى : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:41 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:41 ص
فيما يقرب أو يزيد على «500» فيلم، عمل محمود المليجى «1910 ــ 1983» مع معظم المخرجين المصريين، وجسد، بقدرة هائلة على الإقناع، عشرات النماذج البشرية المتناقضة، الموغلة فى الشر، المخاتلة، الممارسة للشر، وتلك التى تقف على الجانب الآخر، الطيبة، الحانية، التى يخفق قلبها مع المظلومين والمضطهدين، ومن قست عليهم ظروف الحياة.. لكن المليجى، مع يوسف شاهين، ابتداء من «الأرض» 1970، ينطلقا معا إلى آفاق أعلى وأبعد مما وصلا إليه فى أفلامهما من قبل، مثل «ابن النيل» 1951 وحتى «الناصر صلاح الدين» 1963.. وإذا كانت الأدوار التى أداها المليجى فى «العصفور» أو «إسكندرية ليه» أو «حدوتة مصرية» تستحق الدراسة، فإن الشخصية الجديرة بالتأمل، فى تقديرى، هى «المدبولى» فى «عودة الابن الضال» 1976، ذلك الفيلم الأقرب للنبوءة، وتلك الشخصية ذات المغزى الإنسانى الشامل.

المليجى، هنا، باقتدار، يعبر عن جيل شائخ مهزوم انتهى دوره فى الصراع وإن كانت حياته لم تنته بعد.. إنه يبدو كالشبح، موجودا وغير موجود. هو يرى ويفهم ويعى، ولكنه لم يعد قادرا على الفعل. سلطة تداعت وانهارت لتحل محلها سلطة الابن الشرس ــ بأداء شكرى سرحان ــ المتجبر، بأنانيته التى لا يحدها حدود، والذى استحوذ على الثروة وأدوات الإنتاج، الأرض والطاحونة ودار العرض.. المليجى، يبدو كما لو أنه شخصية أثيرية، تملأ أجواء الفيلم بأنفاسها وعبقها دون أن نلمسها لمسا مباشرا، وتثير فينا أكثر من تساؤل، فهل كان المليجى ومعه شاهين طبعا ــ يفكر فى تلك القوى السياسية التى لم يعد لها دور فى الواقع وإن كانت لاتزال على قيد الحياة؟ هل يعبر المليجى عن ذلك القطاع الكبير من الناس الذين لا صوت لهم وإن كانوا ينسبون إلى العائلة.. وأيام إبداع الفيلم، كان الكلام ــ فى الواقع ــ لا يتوقف عن «العائلة» المصرية الواحدة، تحت مظلة «كبير العائلة»!.. إن «المدبولى» أو المليجى يرى، وبجلاء أن كارثة تلوح فى الأفق، ستقضى عليه وعلى مجمل أفراد العائلة، وهو يدرك، على نحو يقين، أن لا فكاك من هذا المصير، فالعائلة تمزقها الخلافات وتسيطر عليها روح الكراهية، خاصة تجاه الأخ الكبير، الممسك بالسلطة.

وفعلا، تتحقق توقعاته، وتغرق «ميت شابورة» فى بحر من الدم، وهو يطالعنا بوجهه الدامى فى مذبحة النهاية، دون أن تصدر منه أية إيماءة توحى بأنه فوجئ بهذا المصير.. كان المليجى، الأقرب إلى الضمير، يتحرك، طوال الفيلم، كما لو أنه ظل، يطل على مسار الأمور المتدهور، بنوع من الشجن الحكيم، لا شك عندى من أنه أحد معطيات الصدق، النابعة من صلاح جاهين، مؤلف القصة والمشارك فى كتابة السيناريو.

عرض «عودة الابن الضال» فى 24/9/1976.. وجدير بالذكر أنه بعد أقل من أربعة أشهر، وبالتحديد فى 17، 18 يناير 1977، أسيلت دماء كثيرة وكادت مصر تحترق، فيما عرف باسم الانتفاضة الشعبية، التى أطلق عليها «رب الأسرة المصرية»: انتفاضة الحرامية.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات