المصادرة السياسية مرفوضة من أى جهة أتت - بسمة قضماني - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصادرة السياسية مرفوضة من أى جهة أتت

نشر فى : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:39 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:39 ص

 تتابع مجموعات من المعنيين بالقضايا العربية إجمالا، والمصرية تحديدا، من عرب وغير عرب، الأوضاع المصرية الأخيرة وتطور الحياة السياسية فى هذا البلد الكبير. فالجميع يتفق على أن التحول السياسى فى مصر أصبح حتمية تاريخية قد يأتى عاجلا وليس آجلا وأنه قد يقلب المشهد السياسى العربى ويؤدى إلى تغييرات جوهرية فى المنطقة ككل، كما فى حسابات اللاعبين الخارجيين المعنيين بالأوضاع السياسية للمنطقة. هذه المجموعات تنظر إلى الأوضاع المصرية من خلال مسار زمنى طويل الأمد. وعلى الرغم من الغضب والإحباط اللذين أصابا المصريين إثر عملية الانتخاب الأخيرة، فهم لا يرون هذه الانتخابات وكأنها فقط فرصة ضائعة ولكن مجرد حالة فشل وهى تحمل، رغم سلبيتها، إشارة إلى بلوغ مرحلة متقدمة ضمن إطار تطور إيجابى.

يوجد فى العلوم السياسية مفهوم تداولته الدراسات النظرية فى حقبة الثمانينيات، وهو مفهوم المجتمع القوى والدولة الضعيفة. وحسب هذا المفهوم، فقد صنفت مصر كدولة قوية، ولكن أيضا اعتبر مجتمعها قويا لأنه وعلى الرغم من أن قدرات الدولة على اختراق المجتمع والتحكم به وإعادة تنظيم قواه قدرات عالية، إلا أن السلطة لم تستطع فى أى وقت أن تضبط حراك المجتمع وديناميكياته. وقد وصف البعض استراتيجيات النظام فى السيطرة على المجتمع بأنها مثل القط، الذى يحاصر ويسيطر على مخبأ الفأر، ولكن غير قادر فى أى وقت أن يفهم لعبة الفأر.

إن الدولة التسلطية فى الدول النامية والتى انتقلت إلى الديمقراطية فى القرن الماضى فى آسيا وأمريكا اللاتينية، مرّت فى مراحل مختلفة، من فرض سيطرتها على المجتمع عبر أجهزة القمع والجيش إلى إستراتيجية التحكم بالمجتمع من خلال استقطاب قواه المختلفة من قوى مجتمعية إلى مثقفين إلى أحزاب معارضة. وفى مرحلة ثانية، التى سميت بمرحلة التحول غير المرئى، تتطور حركات احتجاجية تركز على سياسات وإجراءات معينة يمارسها النظام القائم، ولكن لا تستهدف النظام التسلطى نفسه وتركيبته. ومن ثم تدخل عملية التحول فى مرحلة ثالثة عندما تبدأ قطاعات مختلفة من قوى اجتماعية بالتحرك وتنضم إليها قوى ثقافية، وهى تضم المفكرين والأدباء والفنانين والقطاع الثقافى عموما، حيث ينشط هؤلاء ويبدأون بالتركيز على قضايا حقوق الإنسان والحريات ويستهدفون النظام السياسى للطعن فى شرعيته. وهنا، يتم الدخول فى مناخ سياسى مختلف تتجمع فيه القوى الاحتجاجية، بما فيها المعارضة السياسية المنظمة، لتشكل توجها متضافرا يصب فى تيار تتصاعد قوته كنهر هائج للمطالبة بتغييرات سياسية شاملة تصل بالمجتمع إلى الديمقراطية، حيث تصبح كل فئة فى المجتمع، وحتى كل مواطن فى هذه المرحلة، مساهما فى عملية أكبر وأوسع من مصالحه الضيقة ليكون جزءا من حراك يتجاوز ذاته ويعبّر عن حرصه على مستقبل البلاد.

وفى هذا الإطار، يبدو أن النظام المصرى قد سرّع الوصول إلى المرحلة الثالثة من هذا المسار من خلال إدارته الأخيرة للانتخابات. إذ هو دفع كل القوى، حتى التى كانت مترددة منها، نحو اتخاذ الموقف ذاته من خلال إعلان مقاطعة العملية الانتخابية. وحتى إن الأحزاب التى تم استقطابها للمشاركة فى هذه العملية، قد شهدت عمليات تمرّد من القاعدة على قياداتها بنفس منطق المعارضة للنظام السياسى. حيث أبرزت هذه المواقف رفض الشارع المصرى لعملية مصادرة الإرادة السياسية إن من قبل السلطة أو من قبل الأحزاب التى ينتمون إليها.

وفى المرحلة التى فصلت بين الانتخابات السابقة فى 2005 والانتخابات الأخيرة، حصل تطور واضح يثبت قوة المجتمع المصرى. فقد أصبحت منظمات المجتمع المدنى تنشط، وتصدر التقارير التى تحمل معلومات دقيقة حول الأوضاع عموما، وهى الآن تقوم بمراقبة الانتخابات وفضح التزوير والممارسات الأمنية التى جرت فى بعض مكاتب الاقتراع. وقد عرفت أيضا هذه المرحلة نشوء جيل من الصحفيين المتمكنين من المواضيع، التى يعالجونها بدقة وهم بقادرين على صياغة الأسئلة المحرجة لطرحها على المسئولين الحكوميين، وهم لم يعودوا يسكتون عن هضم حقوق الفئات الاجتماعية الدنيا ولا على الاعتداء على حقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال، فإن المظاهرات التى نظمت للاحتجاج على مقتل الشاب خالد سعيد من قبل القوى الأمنية فى الإسكندرية قد بيّنت للدولة أن حوادث كهذه أضحت مكلفة جدا بالنظر إلى ردود الفعل الجماهيرية والتغطية الإعلامية. فلقد أصبح المجتمع يضع هو أيضا خطوطا حمراء. فلجوء النظام إلى العنف بشكل متكرر يدل على أن خط المواجهة بينه وبين المجتمع يتقلص ليقترب من بوابة السلطة مما يحد مدى سيطرة النظام على الأوضاع.

التساؤلات والتكهنات حول مستقبل مصر السياسى إذا ليست حول مدى نضوج المجتمع والوضع بمجمله للانتقال نحو نظام ديمقراطى بقدر ما هى حول الرابط بين الانتخابات هذه والموعد السياسى الحاسم فى العام المقبل. إذ تظهر الحياة السياسية المصرية، وكأنها تدار على مستويين منفصلين، الأول أصبح يتسم بمستوى متزايد من الانفتاح والمشاركة السياسية، حتى إذا كانت هذه المشاركة تتخذ شكل المجابهة الصدامية، وشاهدنا تطور هذا المستوى أثناء انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. أما المستوى الثانى، فهو مستوى التغيير فى رأس هرم السلطة، الذى قد تقرره مجموعة عوامل وقوى وأجهزة لا علاقة لها بتلك التى تتحرك على المستوى الأول. إن عزل الأول عن الثانى بقدر الإمكان مطلوب بالنسبة للسلطة التنفيذية، فالرابط الوحيد الذى تراه ضروريا هو ترتيب عملية انتخابات مجلس الشعب بهدف تهيئة الساحة السياسية وتطهيرها من كل ما قد يشكل تحديا أو عقبة أمام نجاح العملية الحاسمة القادمة كما تراها. ربما يكون التطور الحقيقى الذى حصل أثناء انتخابات مجلس الشعب الاخيرة هو أنها شكلت مؤشرا على أن الفصل بين المستويين بات مستحيلا، وأن أيا كان القائد الذى قد يجلس فى القمة، فهو سيضطر إلى توحيد المستويين والمباشرة فى عملية مصالحة المجتمع من خلال التعامل مع مطالبه وتطلعاته على أنها ليست مشروعة فحسب بل على أنها مصدر شرعية حكمه.

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات