لماذا صعدت السعودية النزاع الطائفى؟ - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا صعدت السعودية النزاع الطائفى؟

نشر فى : السبت 9 يناير 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : السبت 9 يناير 2016 - 11:10 م
نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالا للكاتب «مارك لينش»؛ أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية فى جامعة جورج واشنطن ومدير مشروع علم سياسة الشرق الأوسط، يتحدث فيه عن خطورة التوجه السعودى الأخير لتصعيد الصراع الطائفى بدخولها فى مواجهة مع إيران. مؤكدا على أن هذا التصعيد ما هو إلا امتداد للصراع الإقليمى المستمر بينهما منذ سنوات كمحاولة للسيطرة على المنطقة ولعب الدور الأساسى بها، محاولا توضيح أسباب اندلاع الصراع فى ذلك الوقت تحديدا؛ كالاتفاق النووى الأمريكى الإيرانى وفشل حرب اليمن وغيرها.

يبدأ لينش المقال بأن إعدام رجل الدين الشيعى السعودى والناشط السياسى نمر النمر فى الثانى من يناير أدى إلى تصعيد الأعمال العدائية الطائفية فى منطقة الشرق الأوسط إلى مستويات جديدة وخطيرة. فبعد إغلاق السفارة السعودية فى طهران، قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إيران وطردت دبلوماسييها. وتصاعد التوتر، مع الخطاب المروع من جميع الأطراف. غير أن هذا التصعيد ربما لن يغير من الوضع كثيرا. فقد انخرطت المملكة العربية السعودية وإيران فى حرب بالوكالة، تتفاوت فى درجة سخونتها، للسيطرة على النظام الإقليمى لسنوات عديدة.
وقد تخرج عملية السلام السورية عن المسار، وربما يصب المزيد من الأسلحة فى تفاقم المأزق المدمر المرعب، ولكن لا يكاد يكون هناك من يعتقد فعلا فى إمكانية حدوث انتعاشة على أية حال. ومن المرجح أن تستمر الحرب فى اليمن على نفس المسار المدمر الحالى كما كان من قبل، حيث لا تكاد فترات وقف إطلاق النار المتكررة تؤثر فى القتال على الأرض. وربما يزداد قليلا تعقيد الحملة ضد الدولة الإسلامية، ولكن معظم الاهتمام العسكرى لدول الخليج تحول منذ فترة طويلة تجاه اليمن. ولم يعد من المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن الاتفاق النووى مع إيران.
ومع ذلك، فإن تداعيات إعدام النمر اجتاحت بوضوح السياسة الإقليمية. ويرى لينش أن هذا التصعيد متعمدا من جانب القيادة السعودية، التى لا بد وأنها كانت تتوقع رد الفعل الإقليمى والدولى. ولعل النتيجة الأكثر إثارة للدهشة أنه حطم الخطوط الحمراء التى كانت تحكم إدارة السعودية للمعارضة الشيعية على مدى عقود. حيث كان الناشطون من الشيعة مثل نمر يتعرضون بشكل روتينى للمضايقات والسجن، وضغوط قانونية وغير قانونية، ولكن يتم إطلاق سراحهم فى نهاية المطاف عندما تفرض السياسة التوعية والمصالحة. ولم يعدم أى رجل دين شيعى منذ سنوات عديدة.
***
وهنا يطرح لينش سؤالا عن سبب التصعيد فى ذلك الوقت تحديدا، فالطائفية بذاتها لا تقدم تفسيرا كافيا، حيث لم يتغير شىء يذكر منذ شتاء 2013، عندما قام بتحليل تنامى الطائفية من حيث التلاعب المشين بسياسات الهوية، من قبل الأنظمة التى تسعى إلى تعزيز مصالحها الداخلية والخارجية. ولا تقدم فكرة الصراع البدائى الذى لا ينتهى بين السنة والشيعة تفسيرا عن التأرجح صعودا وهبوطا فى السياسة الإقليمية. فليس هذا تجديد للصراع البالغ من العمر 1400 عام. وإن كانت الطائفية تشتد حدتها اليوم، فذلك بسبب السياسة، حيث إن تأثير استمرار أصداء الاحتلال الأمريكى للعراق، والحرب الأهلية السورية والاتفاق النووى الإيرانى على الاحتدام الحالى للطائفية أكثر بكثير مما تفعله الاختلافات الدينية الجوهرية القديمة.
وبرغم ما يواجهه النظام السعودى من تحديات للسياسة خارجية فإن لينش لا يقلل من تحديات السياسية الداخلية، بما فى ذلك المعركة على خلافة الملك سلمان، وما يترتب على انخفاض أسعار البترول وعجز فى الميزانية لم يسبق له مثيل. ويبدو أن النظام السعودى، كما يتنبأ بعض العلماء، أنه يواجه أقصى تهديد لبقائه، وهو فى هذه الحالة التهديدات الخارجية فى المقام الأول وليس التحديات الداخلية. ويبدو أن السياسة الخارجية أيضا توفر وسيلة أرخص وأسهل للتصدى للتحديات المحلية. وقد أدت ثلاثة أسباب على الأقل إلى تصعيد الحرب الباردة الإقليمية الطائفية الآن:
الاتفاق النووى الإيرانى: يعتبر الدافع وراء التصعيد السعودى، التخوف من إمكانية نجاح الصفقة الأمريكية مع إيران بشأن برنامجها للأسلحة النووية. وتعتبر المملكة العربية السعودية إعادة إيران إلى النظام الدولى والعلاقات المتطورة مع واشنطن تهديدا حادا لموقفها الإقليمى. ومن ثم، تأتى التعبئة الطائفية ضد الشيعة كخطوة مألوفة فى جهودها للحفاظ على احتواء إيران وعزلها. وقد عارض السعوديون جميع المبادرات السياسية الأمريكية الكبرى تقريبا فى الشرق الأوسط على مدى السنوات الخمس الماضية ــ وليس فقط اتفاق إيران، ولكن أيضا الدعم الأمريكى للديمقراطية المصرية ومقاومة أوباما للتدخل فى سوريا. ويهدف التصعيد الطائفى المحتمل إلى تقويض الأهداف الاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة فى المنطقة مثل: الاتفاق مع إيران ووضع نهاية تفاوضية للحرب فى سوريا، بتأجيج التوترات على النحو الذى يجعل التقدم الدبلوماسى مستحيلا.
فشل السياسة الخارجية: يرجح الكاتب أن التصعيد يهدف لإلهاء الجماهير الإقليمية والمحلية عن الإخفاقات الواضحة للسياسات السعودية، فقد فشلت فى منع صفقة إيران رغم معارضتها العلنية على نطاق واسع، وبشكل عام شهد التحالف الحيوى مع الولايات المتحدة اهتزازا، كما فشلت سياستها فى دعم التمرد فى سوريا لإزالة نظام الأسد على الرغم من المعاناة الإنسانية الهائلة، فى حين ازداد التمرد تطرفا، وبرزت الدولة الإسلامية. ومن المسلم به الآن على نطاق واسع أن التدخل فى اليمن يعتبر فشلا استراتيجيا، فلم يحقق أهدافه، وأسفر عن تكلفة بشرية هائلة. ومن ثم، فإن إثارة خلاف علنى مع إيران يساعد على تحويل الأنظار عن كل ذلك وإعادة الاهتمام بالعدو المألوف.
وأخيرا يشير الكاتب للقيادة السنية: فربما تأتى إيران كهدف للتصعيد، فى مرتبة تلى الخصوم السنة الآخرين. فقد ركزت الدبلوماسية السعودية باهتمام على الجهود الرامية إلى تعزيز ريادتها لإعادة تشكيل النظام الإقليمى «السنى». وأعلنت الرياض أخيرا فى صخب إعلامى كبير عن «التحالف الإسلامى» ضد الإرهاب. وقدمت ائتلاف حرب اليمن باعتباره نموذجا للعمل العربى المشترك. غير أن نفوذها له حدود. وعلى الرغم من الوحدة الظاهرية لمؤتمر الرياض للمعارضة السورية والدعم المشترك لتشكيلات التمرد، تواصل قطر وتركيا التنافس مع السعودية على النفوذ بين المتمردين. وباستثناء البحرين، يبدو من المستبعد أن تحذو بقية دول مجلس التعاون الخليجى حذو السعودية، فى التعامل مع إيران. وحتى الإمارات لم توافق سوى على تخفيض مستوى العلاقات مع طهران.
***
ويستطرد لينش قائلا إنه لاتزال هناك فى الوقت نفسه شبكات إسلامية سنية تتحدى السياسات السعودية الرئيسية. وقد خلقت هيمنة الفصائل الجهادية الطائفية على التمرد السورى مجموعات قوية ذات أجندات خاصة. واستفاد تنظيم القاعدة، خصم السعودية فى شبه الجزيرة العربية ــ بشكل كبير ــ من الفوضى فى اليمن، منذ وقت طويل. ولايزال العديد من الإسلاميين ذوى النفوذ يعارضون الضغط على جماعة الإخوان المسلمين وقمعها وتجريمها. وقد تسبب إعدام النمر وإثارة مواجهة مع إيران المزيد من استياء هذه العناصر الإسلامية.
غير أن التغييرات الهيكلية الأخرى فى المنطقة تجعل من الصعب الآن السيطرة على المشاعر الطائفية التى انطلقت، عما كان ممكنا فى الماضى، كما أن الشباب العرب لم يشهدوا منذ الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003 سوى الصور اليومية أو الواقع المعيش من الصراع الطائفى العنيف. وتخلل النسيج الطائفى للحروب الحالية فى المنطقة، خصوصا فى سوريا، سياسات الهوية والخطاب العام بعد فشل الانتفاضة العربية.
وكما قال باسل صلوخ، كشفت الانتفاضة العربية عام 2011 عن الضعف العميق وراء الواجهة الشرسة لدول المنطقة. وربما تكون الأنظمة الاستبدادية استطاعت إلحاق الهزيمة بها، وتعديل المطالب الشعبية من أجل التغيير الديمقراطى أو تحييدها، ولكن الهيمنة التى تفتقر إلى الإدارة الفعالة أو الشرعية ذات القاعدة عريضة تظل هشة وغير مستقرة، وربما تكون معظم الأنظمة، نجحت فى البقاء على قيد الحياة والتكيف، ولكنها تعلم تماما مدى ضعفها. وكانت الطائفية دائما ورقة لعب مفيدة لهذه الأنظمة الضعيفة لكنها عنيفة ــ من أجل تقسيم المعارضين المحتملين وتوليد الحماس بين المؤيدين.
***
ويشير الكاتب للدول التى انهارت فى حرب أهلية، مثل سوريا واليمن وليبيا. حيث خلق فشل الدولة، والحرب الأهلية، ووسائل الإعلام المغالية فى الدعاية الوطنية، الظروف المثالية لطائفية تترسخ بين الغاضبين والمجتمعات المستقطبة الخائفة. وكانت الحرب فى سوريا أكبر حاضنة للطائفية، مع حملات عامة وخاصة واسعة النطاق عبر تعبئة الخليج لدعم الجهاد السنى ضد النظام السورى ومؤيديه إيران وحزب الله. وحشدت إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية على نحو مماثل حول الهوية والطائفة فى دعم نظام الأسد.
وروجت وسائل الإعلام الإقليمية بقوة للخطاب الطائفى الداعم للحرب فى كل من سوريا واليمن. وفى الوقت نفسه، زادت وسائل الاعلام الاجتماعية ــ مع نزوعها إلى دفع الناس إلى مجتمعات مغلقة من المتشابهين فى التفكير وقدرتها على سرعة نشر أشرطة الفيديو والأفكار التحريضية ــ من تفاقم الاستقطاب. وسوف يزداد تأثير وسائل الاعلام ووسائط الاعلام الاجتماعية مع استمرار ثورة تكنولوجيا المعلومات. وحتى الآن، لا تكاد تجد هناك قوى تذكر فى المجال العام العربى الراهن تصد الانقسامات الطائفية.
ويختتم لينش بأنه ربما تكون هناك مغالاة فى الآثار المترتبة على التصعيد الطائفى السعودى بالنسبة المنطقة، حيث إن تحدى إيران وتعبئة المشاعر الطائفية ضدها، جزء من قواعد اللعبة التى تمارسها الرياض عادة، عندما تواجه التحديات الإقليمية والمحلية، ولكن القوى الجديدة التى أطلقتها الانتفاضة العربية من ضعف الدولة والحروب الأهلية إلى قوة تأثير وسائل الإعلام الجديدة، يجعل هذه اللعبة الطائفية أكثر خطورة مما كانت عليه فى الماضى، وسوف تكون محاولة كبح هذه المشاعر الطائفية أصعب كثيرا من إشعالها.
التعليقات