ــ1ــ
ازدحم القرآن الكريم بصفة عامة، والمكى بصفة خاصة بنماذج كثيرة من السنة الإلهية الفاعلة فى حياة الناس. والمقصود بالسنة الإلهية: القواعد النافذة فى حركة الكون بجميع ما فيه. والسنة الإلهية التى حواها القرآن بعضها متعلق بالمسخرات حولنا مما فى السماء ومما فى الأرض وما بينهما. كذلك فإن هناك سننا إلهية متعلقة بالإنسان، فهى تبين ما أودعه الله فى الإنسان من نظم (الحياة/ المرض/ الشفاء/ الموت/ أجهزة الجسم المختلفة: الدورى ــ التنفسى ــ الهضمى ــ التناسلى... إلخ).
ــ2ــ
ولو أخذت السنة الإلهية مكانها ومكانتها فى الدراسات القرآنية لوجد الدعاة زادا كبيرا يتواصلون به مع العقول البشرية فتستدرجها إلى الإقبال نحو المعانى الكبرى مثل الإعمار والتنمية، والحرية. وحينما يعيش الناس طبقا لتلك السنن ستراهم يبحثون بإلحاح عن الإله العظيم خالق المسخرات وخالق البشر الذى أودع فى كل خلقه من النظم والضوابط ما يعينها على إنجاز دورها فى الحياة. وما يجعلها نافعة غير ضارة..ألم تقرأ كيف رتب الله تكليفات الدعوة فقال تعالى: ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)). هكذا جعل الله ركائز الخطاب الدعوى ثلاث ركائز عامة مطلقة هى: 1ــ الدعوة إلى الخير المطلق 2ــ التوجيه إلى المعروف المشهور مما ينفع الناس 3ــ مقاومة المنكرات ورفضها... وزاد القرآن الأمر أيضا حينما قال: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..)). هكذا جعل الركيزة التالية هى الإيمان بالله وما يشتمل الإيمان عليه من شعائر وعقائد ومعاملات، فالخير أولا والمعروف ثانيا ورفض المنكر ثالثا ثم الإيمان بالله والالتزام بشريعته كمرحلة أخيرة فى مراحل الدعوة.
ــ3ــ
وسنن الله فى الكون أكثر من أن تحصى، وقد أشار القرآن لبعضها ليتعلم الناس قانون المسخرات من حوله فيتعامل معها بما يعود عليه بالنفع، وما ييسر حياته ويخفف عنه مشقات الحياة. فانظر مثلا إلى قوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)). واسأل أهل الطب عن جدوى النوم ليلا وما يحققه من نمو فى الجسد وراحة فى النفس وتجديدا للقوى فضلا عما يصنعه الليل من ستر يحيط بالإنسان فيجعله آمنا هادئا بعيدا عن أعين الآخرين ليتمكن من راحة جسدية يصعب تحقيقها بين نظرات العيون. كذلك فانظر إلى النهار وما يساعد عليه من كثافة الإنتاج وتجويده وتبادله، أما إذا أفسد الإنسان حياته فجعل ليله سهرا وحراكا، وجعل نهاره نوما وخمولا فحدث ولا حرج عن مساوئ العجز والكسل والضيق النفسى الغير مأمون العواقب.
ــ4ــ
ويقول القرآن: ((وَفِى أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ))، فها هو الجسد حينما يستنفد طاقته يستسلم للنوم العميق ليجدد خلاياه ونشاطه ويزداد طاقة يبذلها بعد الاستيقاظ... كذلك يجتمع فى الجسد البشرى عديد من الأجهزة والحواس، إذا أحسن الإنسان استخدامها عاش محيطا بما حوله، مدركا كيف يتفاعل معه، محققا لمستويات عليا من الإعمار والإصلاح، كما أنه يدرك أسباب التعب والهلاك فيتجنبها، ويؤكد القرآن: ((..فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)).
ــ5ــ
ومن أعجب العجب أن تناقش الجامعات المتخصصة رسائل فى موضوع السنة الإلهية وتمنحها درجات عالية، ورغم ذلك نجد مقررات القرآن ودراساته تمر على السنن الإلهية مرا سريعا، فمتى تجد السنن الإلهية مكانها فى المقررات الدراسية؟! ومتى تجد السنن الإلهية مكانها فى الخطاب الدعوي؟!