سبعة أطفال يهود - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سبعة أطفال يهود

نشر فى : الإثنين 9 أغسطس 2010 - 11:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 أغسطس 2010 - 11:20 ص

 ى الصحف المستقلة التى أحترمها مقالا يهاجم مسرحية «سبعة أطفال يهود» ويصفها بأن «مؤلفها يتبنى وجهة نظر وقضايا الصهيونية مثل اضطهاد اليهود ومعاداة السامية وأرض الميعاد وأنهم شعب الله المختار ووصفهم للعرب بأنهم إرهابيون»، وأضاف أن «مؤلفها يتبنى فكرة أن من حق اليهود القتل حتى يكونوا آمنين»، وأن هذه المسرحية» تم عرضها فى أستراليا وأثارت جدلا شديدا وكذلك عندما عرضت فى بريطانيا وذلك لأنها تردد أفكار تيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية العالمية».

والمقال يمثل نموذجا للاستسهال الصحفى الذى يندفع متوهما الدفاع عن القضية الفلسطينية، فيصيب أنصارها الحقيقيين برذاذ الخيانة على طريقة الدبة التى قتلت صاحبها.
فلو كلف كاتب المقال نفسه عناء الدخول على الإنترنت لدقائق معدودة بحثا عن مادة موضوعة لاكتشف من أول لحظة أن العنوان الكامل للمسرحية، والذى لا أعرف لماذا اقتطعه على طريقة «لا تقربوا الصلاة»، هو «سبعة أطفال يهود: مسرحية من أجل غزة»، وأن المسرحية لها عدة ترجمات فى مصر واحدة لحاتم حافظ ونشرت بجريدة مسرحنا، وأخرى لعاطف الغمرى ونشرت بمجلة المسرح، وثالثة للأديب الأقصرى عبدالسلام إبراهيم، بخلاف الترجمات العربية العديدة المنتشرة على الإنترنت احتفاء بالنص.

ولأدرك الكاتب أن مؤلف المسرحية الذى تحدث عنه طوال المقال بصيغة المذكر على الرغم من ذكره لاسمه «كاريل تشرشل» هو فى حقيقة الأمر كاتبة إنجليزية، وأن هذه الكاتبة قد سجلت فى نص المسرحية المنشور عن دار «نك هيرن» أنها تتنازل عن حقوق العرض فى أى مكان فى العالم إذا ما كان ذلك لصالح جمع تبرعات أكثر للمساعدات الطبية لأطفال غزة.

أما الأمر الوحيد الصحيح الذى ذكره الكاتب فهو أن المسرحية قد أثارت جدلا شديدا عند عرضها فى بريطانيا وأستراليا، ولكن ليس لأنها تردد أفكار تيودور هيرتزل كما يدعى، بل لعكس هذا تماما.
فعند عرض المسرحية للمرة الأولى ببريطانيا اتهمت مؤلفتها بمعاداة السامية، وأدان عدد من اليهود فى رسالة نشرت بصحيفة دايلى تلجراف مسرح «رويال كورت» لعرضه المسرحية، ورفضت شبكة (بى بى سى) بث النسخة الإذاعية من المسرحية، كما أعلن متحدث باسم مجلس نواب اليهود البريطانيين أن «المسرحية تجاوزت الحدود فى الخطاب السياسى، على الرغم من أننا نعرف أنها ستكون مناهضة لإسرائيل بسبب أن المؤلفة تشرشل مناصرة لحملة التضامن البريطانية مع فلسطين».
فقد سبق أن عرض للمؤلفة نفسها عام 2006 مسرحية أخرى بورشة مسرح نيويورك تحمل عنوان «اسمى راشيل كورى» أثارت جدلا شديدا أيضا لتعاطفها مع القضية الفلسطينية.

أما حقيقة ما حدث فى أستراليا فهو أن اللوبى اليهودى قد تصدى لمنع عرض المسرحية مرتين، وفشل فى الثالثة حيث عرضت المسرحية فى برث يوم 15/5/2010 بعد كفاح مستميت من جماعة أصدقاء فلسطين بأستراليا الغربية، لكن هذا لم يمنعهم من التجمهر أمام قاعة العرض وتوزيع منشور ينص على أن «المسرحية منحازة للجانب الفلسطينى مشوهة للتاريخ، فقد تناسى العالم أننا دفعنا (ستة ملايين) نفس بريئة فى المحرقة النازية وهذه المسرحية تقفز على الحقائق وليست رسالة سلام ودعوة تفاهم بل هى تعبر عن رأى معاد للسامية يتعمد الإساءة للشعب اليهودى»، وقد عرض على ظهر المنشور صورتان واحدة لطفلة يهودية على وجهها علامات البراءة والنقاء، والأخرى لطفل فلسطينى مدجج بالسلاح.
وعلى الرغم من وجود عشرات المحتجين الصهاينة خارج القاعة فقد اكتمل العرض وانتهى بالتبرع بـ1400 دولار أسترالى من أجل أطفال غزة.

أما المسرحية ذاتها فهى تعرض الآليات الصهيونية لتزييف الوعى من خلال عائلة يهودية ينتمى أفرادها لمراحل عمرية مختلفة، وأفراد هذه العائلة يتحدثون معا عن الأكاذيب التاريخية والمعاصرة التى يجب تلقينها لابنتهم، لتصبح هذه الطفلة المختفية رمزا للعالم الذى يحشو اليهود رأسه بما يريدونه من آراء معادية للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.

وفى سياق فنى، كهذا لابد من ورود عبارات على لسان شخصيات المسرحية الصهاينة تدعى الحق فى الأرض والماء وتسب الفلسطينيين وتتهمهم بالإرهاب، حتى تكون الجمل التى تفلت من لسانهم أنفسهم بمثابة اعتراف دامغ أمام العالم بالوحشية، مثل «لا تقولوا لها أى شىء عن البلدوزرات»، و«لا تقولوا لها إن الصبى قد أصابته رصاصة»، فى إشارة إلى محمد الدرة، و«لا تقولوا لها أن ابن عمها قد رفض الانضمام للجيش»، و«لا تقولوا لها كم منهم قد قتل»، و«لا تقولوا لها عن عائلة الطفلة التى ماتت، قولوا لها إنه يمكنها ألا تصدق ما تشاهده فى التليفزيون، قولوا لها إننا قتلنا الأطفال بالخطأ»، و«قولوا لها إنهم أرادوا لأطفالهم أن يقتلوا حتى يستدروا عطف العالم»، «قولوا لها إننى لا أعبأ حتى ولو أبدناهم تماما»، و«قولوا لها إنى لا أعبأ حتى ولو كرهنا العالم».

هذا هو منطق الفن الذى لا يجوز فيه اقتطاع العبارات التى تهاجم العرب وتدعى الحق اليهودى فى الأرض من سياقها الدرامى، الذى يحيلها إلى ادعاءات كاذبة تدعو الطفلة والعالم لإغماض عيونهم عن مشاهدة الواقع والاستسلام التام للتزييف الصهيونى لوعيهم.
وقد كان الصهاينة أكثر ذكاء عندما حاولوا مهاجمة هذه المسرحية من منظور فنى بعد أن عجزوا عن منعها، حيث قالوا إنها قد كتبت خصيصا فور الهجوم الدامى على غزة لمناصرتها سياسيا، ورفضوا أن يتحول فن المسرح الرصين إلى منشور سياسى عاجل مواكب للحدث، وبخاصة أن المسرحية بالغة القصر ويستغرق عرضها ثمانى دقائق فقط، وقد كان يمكن لكاتب المقال أن يردد هذا الكلام إذا أراد مهاجمة المسرحية، فربما قد يكون مقبولا على المستوى الفنى، وإن كان سيظل هذا الهجوم مرفوضا تماما على المستويين السياسى والإنسانى.

التعليقات