دروس «ووترجيت» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس «ووترجيت»

نشر فى : الأحد 9 سبتمبر 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الأحد 9 سبتمبر 2012 - 8:20 ص

قبل ثمانية وثلاثين عاما كاملة جرت وقائعُ هذه القصة. فى بلدٍ آخر.. وثقافةٍ مختلفة. نرفض سياساته.. نعم. وبعضا من ثقافته.. نعم. ولكننا ننحنى قطعا لمعانٍ فى هذه الثقافة تبرزها هذه القصة:

 

فى عام ١٩٦٩ كان ريتشارد نيكسون «الجمهورى» قد وصل إلى الغرفة البيضاوية فى البيت الأبيض، بعد أن نجح فى استغلال مخاوف الناخبين (من الشيوعية.. إلى العنصرية) وكان شعار أمن الدولة أو «الأمن القومى» بالتعبير الأمريكى هو التعبير المفضل عند رئيس الدولة العظمى العائدة بخسارتها من فيتنام.

 

لم يمض وقت طويل، حتى كان الرجل مفتونا بشعاره ربما قد تورط، أو بالأحرى تورطت إدارته مع حزبه فى التستر على عملية تجسس على مقر الحزب الديمقراطى فى فندق «ووترجيت»، وهو الأمر الذى انتهى بفضيحة أخذت اسم الفندق. وأدت إلى الإطاحة بالرئيس الذى اضطر للاستقالة فى التاسع من أغسطس ١٩٧٤. بعد أن نجح صحفيان فى الواشنطن بوست (بوب وودوارد ومايكل برنشتاين) فى كشف تفاصيل القصة بعد عامين كاملين من التحرى والتحقيق فى سراديب السلطة الغامضة الخطرة (وهى قصة تستحق بذاتها أن تروى ليتعلم منها صحفيو تصريحات الهواتف والمكاتب المكيفة). ويعرف كل من تابع القصة المثيرة أن الصحفيين اعتمدا فى تحقيقاتهما على مصدر احتراما لشرف المهنة لم يفشيا سر اسمه أبدا، رغم كل الضغوط الهائلة التى تعرضا لها. مكتفين بأن يرمزا إليه بما أسموه « deep Throat».

 

وبعد ثلاثة عقود كاملة، وبعد أن تجاوز الرجل التسعين من عمره خرج صاحب «الحنجرة العميقة» ليكشف عن نفسه. وليعرف الجميع بأنه أيام «ووترجيت» كان الرجل الثانى فى مكتب التحقيقات الفيدرالى «مارك فيلت» وأنه تتلمذ على يد مديره «ادجار هوفر» الذى حافظ على استقلالية المكتب (أمام البيت الأبيض) لأربعة عقود كاملة قبل أن يموت فى مكتبه فى مايو ١٩٧٢.

 

•••

 

لماذا نتذكر هذه القصة الآن؟ ولماذا أعود لأكرر كلاما سبق وإن كتبته فى «وجهات نظر» قبل سنوات؟

 

فى الصفحة الأولى من «الشروق» الصادرة صباح الثلاثاء الماضى ٤ سبتمبر نقل الزميلان محمد خيال وحاتم الجهمى على لسان الدكتور محمد البلتاجى عضو المكتب التنفيذى لحزب الحرية والعدالة، تصريحا لفت انتباهى أنه لم يستوقف أحدا، رغم أهمية القائل وخطورة ما قال. حسب النص المنشور، قال المسئول الكبير: «تلقيت اتصالا هاتفيا الأسبوع الماضى من سيدة لا أعرفها ذكرت لى أنها مساعدة لشخصية كبيرة جدا فى هيئة رقابية سيادية وأنها تريد أن تنبهنى أن هذه الشخصية الكبيرة حتى اليوم تراقبنى وتراقب آخرين معى وتتنصت على كل مكالماتى وتسجل كل تحركاتى وأنها أى تلك السيدة كانت تظن أن هذه الأعمال ستتوقف بعد الثورة ولكن للأسف وجدت أن هذا الدور مستمر حتى هذه اللحظة».

 

انتهى الاقتباس.. وبالمصادفة، حكى لى مساء اليوم ذاته واحد من جماعة الرئيس كيف أنه يُضطر لتغيير شريحة هاتفه بين حين وآخر ليضمن «خصوصية» مكالماته.

 

ورغم أن كلام البلتاجى جاء بعد ساعات من إقالة رئيس هيئة الرقابة الإدارية بواحد من القرارات «الجريئة» التى تحاول تطهير «الدولة العميقة» المتشابكة الخيوط، وكان حسب تصريحاته يشير إلى هذا القرار، إلا أن ما هو متداول يبدو أنه يتجاوز القرار والهيئة. كما أن الاتهام لو صح لا تكفى معه الإقالة، بل يتطلب محاسبة تصبح درسا، لو كنا صادقين حقا فى أننا نعمل على بناء دولة حديثة. تحترم فيها الدولة «وأجهزتها» حق المواطن، كما تلتزم فيها بالقانون. (مادة ١١ من الإعلان الدستورى ومادة ٤٥ من دستور ١٩٧١، ومادة ٢٤ من دستور ١٩٥٤).

 

فى بلادنا العربية ــ لا أستثنى أحدا ــ عرفنا لعقود كيف كان الحزب الحاكم «المتماهى مع الدولة» يتجسس على معارضيه. وعرفنا لعقود كيف كان الحزب الحاكم يستخدم الجهاز الأمنى «للدولة» التى هى بحكم التعريف «دولة كل المواطنين» فى مواجهة معارضيه. ولكنى أظن أن ربيعا عربيا جاءت نسائمه الأولى قبل ما يقرب من عامين من تونس اليافعة، أعاد «تعريف الدولة» أو بالأحرى أعاد اليها تعريفها الصحيح «دولة كل المواطنين»؛ بعثيين كانوا أو غير ذلك.. أصهارا لـ«بن على» أو باعة جائلين فى بوزيد.. أعضاء فى الحزب الوطنى أو إخوانا مسلمين.

 

كنت قد قلت غير مرة أن الذى يقلقنى ليس ما يعتبره البعض ــ بكثير من المبالغة ــ «أخونة» للدولة، بل ما يقلقنى حقا ربما يتجسد فيما سميته «تأخون» الدولة؛ بمعنى أن نجد رموزا وكتابا ومسئولين، لم يكونوا يوما من الإخوان أو حتى من مناصريهم، وقد أصبحوا فجأة «ملكيين أكثر من الملك». وأحسب بخبرة التاريخ أن أولئك سيضرون الإخوان «بنفاقهم» أكثر مما سيضرون غيرهم. بدت إرهاصات ذلك للأسف فى كتابات وأعمدة صحفية لا تخطئها عين قارئ. وأخشى ما أخشاه أن يصلَ الداءُ إلى «أجهزةٍ» يُفترض أنها تعمل للدولة. لا لحزب أو لحاكم.

 

لا أتحدث هنا عن الرئيس الذى «ربما أعرفه». ولا أتحدث عن حزبٍ بعينه، لم يصبح «بالتعريف السياسى» حزبا حاكما بعد. ولكنى أتحدث «حديثا مجردا» عن أى حزب أو رئيس يأتى بهما صندوق انتخابات فى مستقبل يُفترض أن نعرف فيه «تداولا حقيقيا للسلطة»..

 

ويُفترض أن نبنيه «جميعا» على قواعد جديدة؛ أول ما فيها «أن لا حاكم للأبد».

 

•••

 

هل هذه، على أهميتها كل «دروس ووترجيت»؟

 

أظن أن «حرية الصحافة» تصلح أن تكون عنوانا لدرس ثان. أو بالأحرى المعنى الحقيقى لحرية الصحافة، الذى إن كان يفترض أولا: بحثا دءوبا عن الحقيقة.. وهذا واجب الصحفى. (صحفيا الواشنطن بوست أمضيا فى تحقيقاتهما عامين كاملين)، فإنه يتطلب ثانيا: إدراك الجميع أن تلك الحرية ليست «ريشة على رأس الصحفيين» كما يحاول البعض أن يقول مستنكرا تمييز يدعيه. فتلك الحرية هى فى حقيقتها «حق للمواطن» لا للصحفى فى أن يعرف. ودرس ووترجيت يقول لنا ببساطة شديدة إنه لولا حرية الصحافة، ولولا الحق قانونا فى تداول المعلومات، ما كان وودوارد وزميله قد وصلوا إلى حقيقة ووترجيت، وما كان المواطن الأمريكى قد عرف ما ينبغى أن يعرفه.. وما كان نيكسون بجريرته قد غادر البيت الأبيض.

 

•••

 

أرجوكم وأنتم تتطلعون إلى دولة جديدة.. اقرأوا «ووترجيت».

 

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات