(1)

القاهرة عام 1980..

تعديلات دستورية عظيمة.. تنحاز لهوية الأمة، وتعيد الاعتبار للشريعة الإسلامية.. لن نحكم بالقانون الفرنسي بعد اليوم.. التعديلات ستطلق التعددية الحزبية وتفتح أبواب الحرية.. فليحتفل الجميع.

بالمناسبة.. التعديلات بها مادة تطلق مدد تولي منصب رئيس الجمهورية ليعاد انتخابه مرات لا حصر لها بدلًا من مدة واحدة فقط.

فيما بعد.. حكم حسني مبارك لـ30 عامًا كاملة، واعتقل مئات الآلاف في عهده.

التعديلات فصلها السادات لنفسه.. لكنه لم يستفد بها.. فقد قتل بعد أشهر.

(2)

دستور 2013..

"القضاء العسكري مختص بالنظر في اعتداءات المدنيين على أفراد القوات المسلحة، حتى لو كانوا عاملين بمحطة بنزينة وطنية".

هكذا تحدث رئيس هيئة القضاء العسكري.. دساتير جميع دول العالم الأول خلت من ذكر المحاكم العسكرية للمدنيين، فالقاضي العسكري مرءوس مباشرة من قادته الذين يعينونه.

والأسوأ أن إطلاق صفة القضاء العسكري يعطيه حق التصنت على الأفراد والبيوت بأمر قضائي صادر عن رتبة عسكرية بحجة أنه قضاء محصن.

مشادة مع ضابط في بنزينة وطنية أو قاعة أفراح تجعلك تحاكم أمام قاضٍ عسكري زميل للضابط الذي تشاجرت معه.

هكذا.. فأرنبنا في منور أنور.. وأرنب أنور في منورنا.

(3)

القاهرة 2007..

تعديلات دستورية عظيمة.. تنحاز إلى المواطنة وتحظر قيام أحزاب على أساس الدين وتواجه الإرهاب.

التعديل اشتمل على 34 مادة في الدستور، ولا يعقل أن نرفضها من أجل مادة أو اثنين.

بالمناسبة.. المادة أو اثنان هذه التي قيل لا يجب أن نتوقف عندها تضمنت المادة 77 التي منعت كل المصريين باستثناء جمال مبارك من الترشح للرئاسة حال وفاة مبارك.

فيما بعد قتل أكثر من 850 لإجبار مبارك وولده على الرحيل خلال الـ18 يومًا.

لم يستفد جمال ولا أبوه مبارك من التعديلات التي فصلوها لأنفسهما.. الاثنان في السجن الآن.

(4)

دستور 2013..

مؤسسات الحكم المنتخبة ستأتيها ميزانية الجيش كبند واحد، وهو أمر شاذ عن كل الديمقراطيات، ويعيد لذهننا ما تردد عن صفقات السلاح خلال عهد مبارك (المادة 203).

منح الدستور المجلس العسكري حق اختيار وزير الدفاع لمدة 8 سنين (المادة 234).

باختصار.. سيكون لدينا رئيس لا يدير الأجهزة الأمنية.. سيكون لدينا أول عدلي منصور منتخب.

(5)

القاهرة.. نوفمبر 2012

إعلان دستوري عظيم.. أخيرًا تتحقق أهداف الثورة.. الإعلان يطيح بنائب عام مبارك ويتيح إعادة محاكمة قتلة الشهداء..

بالمناسبة.. الإعلان جعل قرارات مرسي غير قابلة للطعن من القضاء وجعل النائب العام بقرار من الرئيس لنستبدل نائب عام مرسي بنائب عام مبارك.

فيما بعد حدثت اشتباكات واسعة على أبواب الاتحادية لفض اعتصام المعارضين للإعلان الدستوري، وكانت بداية لاقتتال أهلي استمر طويلًا.

لم يستفد مرسي من الإعلان الدستوري الذي فصله لنفسه.. فهو في السجن الآن.

(6)

دستور 2013..

يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء "من يشاء" بتشكيل الحكومة فإذا لم يحصل على ثقة النواب اختاره من حزب الأكثرية، فإذا لم يحصل على ثقة أغلبية عُدَّ المجلس منحلًا (المادة 146).

وبالدستور يعين الرئيس 5% من أعضاء البرلمان، وهي نسبة أكبر مما كان يفعل مبارك.

ويحل البرلمان بعد استفتاء شعبي بلا مخاطرة استقالة الرئيس في حالة الرفض الشعبي (المادة 137).

باختصار.. رئيس قوي أمام المنتخبين وخيال مآته أمام العسكريين.

(7)

القاهرة ديسمبر 2012..

أول دستور تصنعه لجنة منتخبة.. قيل: إنه أعظم دستور في العالم.

آه بالمناسبة.. الدستور قنن المحاكمات العسكرية واخترع مواد شديدة الغرابة لإرضاء السلفيين.

فيما بعد انفجرت أكبر مظاهرات في تاريخ مصر احتجاجًا.. ولم يستفد من كتبوا الدستور على مقاسهم.. فلم يعد دستورهم موجودًا.

(8)

دستور 2013..

وسائل الاتصال ضمن الأمن القومي في إشارة لإمكانية إخضاعها للرقابة (مادة 31).

ويلزم الدستور الدولة بمواجهة الإرهاب "بكافة صوره" دون أن يحدد تعريفًا له، ليترك الأمر لقانون الإرهاب بشكل قد يقيد كل الحقوق السياسية (مادة 237).

ويكفل حرية الاحتجاج لكنه يربطها بعبارة "وفقًا للقانون"، وهو ما يحيلنا لقانون كقانون التظاهر القائم الذي يقيد الحق إلى حد منعه.

ولم يعد تجديد الطوارئ باستفتاء ولكن عبر مجلس الشعب كما كان في عهد مبارك، وعشنا طوارئ دائمة (مادة 154).

ويترك مدة الحبس الاحتياطي للقانون، والذي يجعلها عقوبة في حد ذاتها للخصوم السياسيين دون مدد وقواعد محددة (مادة 54).

ولا يضع قواعد لمنع التمييز في الالتحاق بالشرطة والقضاء والجيش والخارجية، والتي هي حكر على عائلات بعينها.. والأهم الدستور لا ينص على المساواة في مدة التجنيد ليستمر الظلم المنظم للريفيين الفقراء وسرقة عمرهم.

(9)

القاهرة ديسمبر 2013..

تكتبون لنا الدستور على مقاسهم.. كما تشاءون..

أنتم بدوركم.. ستحصلون على دوركم.

(10)

كل حزب بالدستور الذي لديهم فرحون.

البعض يتصور أننا سنوافق على إلقاء البشر في سجون المحاكمات العسكرية نكاية في الإخوان.. يبدو أنهم بلهاء.

يومًا ما.. سيكتب دستور ينحاز إلى البشر وحريتهم وحقوقهم وليس لتوجيهات أو مصالح القابعين في الرئاسة أو مكتب الإرشاد أو وزارة الدفاع.

يومًا ما سنقول نعم لدستورنا.. عام 2015 أو بعد عشر سنوات.. سيصير الدستور يومًا ما نريد.. ومن يؤذنون في مالطة سيجدون يومًا من يسمعون آذانهم.

على عكس ما يتخيل البعض فالدستور ليس منشأة عسكرية.. لذا نقاطع أو نصوت بلا أو حتى يذهب البعض منا للتصويت بنعم.. لا يهم.. المهم أننا نعلم أنه دستوركم.. وسنلحقه بمن قبله.

تحياتنا لكم.. قلوب ودباديب.

رابط يجدر الإشارة إليه:

رئيس القضاء العسكري: مختصون بالنظر في اعتداءات المدنيين على العاملين بمحطة بنزين وطنية