حدود المعارك وحقيقتها - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 8:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حدود المعارك وحقيقتها

نشر فى : الجمعة 11 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 مايو 2012 - 8:00 ص

الأحداث المتسارعة التى تشهدها الساحة السياسية فى الأمتار الأخيرة من المرحلة الانتقالية يحتاج فهمها لتحديد اللاعبين الأساسيين فى المشهد، وتعريف توجهاتهم ومصالحهم، ومن ثم تحديد ما يبغونه من المعارك الدائرة.

 

أول الأطراف السياسية المؤثرة المجلس العسكرى، وهو لاعب سياسى محافظ على أحسن تقدير، يعبر عن قوى الدولة العميقة (شبكة المؤسسات الأمنية والقضائية والاقتصادية والإعلامية التى تمتلك السيادة وتبقيها بعيدا عن الجهات المنتخبة)، ومقصده الرئيس الحفاظ على السيادة أو شقها الأعظم بعيدا عن المنتخبين، وثانى القوى جماعة الإخوان، وهى لاعب سياسى محافظ أو إصلاحى على أفضل تقدير، يريد نقل السيادة من الجهات غير المنتخبة للمنتخبة، بدون تغيير البنية السلطوية للأخيرة، والتى تجعلها ــ مع احتياجها لتفويض شعبى على فترات متباعدة ــ غير خاضعة فى الحقيقة للسيادة الشعبية، وهاتان القوتان ــ العسكر والإخوان ــ هما الأهم فى المشهد السياسى لأنهما يمتلكان ــ دون غيرها ــ تنظيمات مترابطة تمتد بطول البلاد ولها قيادة تستطيع اتخاذ القرارات وتعميمها.

 

اللاعب الثالث الصاعد هو حزب النور، والذى تدفعه براجماتيته للتأرجح من المحافظة والإصلاحية فى مواقفه السياسية، ويدفعه السعى للحفاظ على مساحته فى المشهد السياسى لاتخاذ مواقف مستقلة عن الإخوان، ويعمل على نقل السلطة من الجهات غير المنتخبة للمنتخبة، ولقياداته مواقف متباينة فى مسألة تغيير بنية المؤسسات، وأما اللاعب الرابع فهو مجمل الأحزاب «المدنية» الموجودة فى المشهد السياسى، وبعضها موقفه فى مسألة نقل السيادة أنه يريدها حيث لا يوجد إسلاميون، حتى لو كان ذلك يعنى بقاءها عند غير المنتخبين (رغم أن المدنى فى العلوم السياسية هو ضد العسكرى)، وبعضهم موقفه إصلاحى، يريد تمثيلا سياسيا أوسع ليضمن لنفسه مكانا فى ظل الأغلبية الإسلامية ولكنه لا يسعى لتغيير حقيقى فى بنية المؤسسات.

 

اللاعب الأخير هو القوى الثورية، وهى صاحبة مواقف تقدمية، لا تقبل ببقاء السيادة عند غير المنتخبين ولا بنقلها للمنتخبين مع استمرار الهياكل التسلطية، وتسعى لإيجاد وضع مؤسسى يمكن الشعب من ممارسة سيادته حقيقة، ومشكلتها أنها غير منظمة بشكل يمكنها من المنافسة الانتخابية المباشرة، لأسباب منها أنها تعمل فى شبكات لا فى تنظيمات هرمية، وأنها ذات اتجاهات سياسية مختلفة تمنعها من العمل السياسى المشترك فى غير الظرف الثورى، وهى مع ذلك صاحبة تأثير يمكنها من الضغط على القوى الأخرى والتحالف المرحلى مع بعضها لتحقيق بعض الأهداف كما حدث منذ الأيام الأولى للثورة.

 

والحاصل أن القوى الأساسية فى المشهد تتأرجح مواقفها السياسية بين المحافظة والإصلاحية، وهو أمر له تأثير على معارك الثورة التى تزداد حدة مع اقتراب المرحلة الانتقالية من نهايتها، وأولها معركة الدستور، والتى يؤدى ابتعادها عن «الشارع» لهيمنة التيارات المحافظة والإصلاحية عليها، ومن ثم فإن أغلب الجدل ينصب حول كيفية نقل السيادة من الجهات غير المنتخبة للمنتخبة (المواد المنظمة للعلاقات المدنية العسكرية نموذجا)، وكيفية تنظيم العلاقات بين هذه المؤسسات المنتخبة بحيث لا يتغول بعضها على بعض، وأما الجدل حول حقوق المواطن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى الدستور (كالمنصوص عليها فى الدساتير الحديثة كالبرازيل وإيران وجنوب إفريقيا والبرتغال)، وكذا عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة لجعلها أكثر تشاركية، فهو هامشى.

 

المعركة الثانية هى معركة الرئاسة، ولقوى الدولة العميقة فيها مرشحون جادون، لم يقدما فى برنامجيهما ما يبشر برغبتهما فى خوض معركة انتزاع السلطة من الجهات غير المنتخبة (وهى معركة طويلة سيكون لتوجهات الرئيس دور هام فيها)، وللقوى المتأرجحة بين المحافظة والإصلاحية أيضا مرشحون، يتحدثان عن نقل السيادة وتغيير العلاقة بين مؤسسات الدولة من غير الحديث عن علاقتها بالشعب، وأما القوى التقدمية فمرشحيها لا يملكون فرصة حقيقية فى الفوز بسبب ضعفها التنظيمى، وإن كانت حركتها ونجاحاتها الشارعية تعطيها مجالا أوسع فى هذه المعركة من سابقتها، فثمة فرصة لمن يقف فى المنتصف بين القوى الإصلاحية والتقدمية، ويحظى بدعم تيارات فيهما، كما تقاومه فى الوقت ذاته القوى الإصلاحية والمحافظة لأن تداعيات فوزه على (تنظيماتها) ستكون كبيرة من حيث قدرته على كسر حالة الاستقطاب التى تحافظ لهذه التيارات على التماسك التنظيمى.

 

وأما المعارك المتبقية فأقل أهمية، وأولها معركة تشكيل حكومة ائتلافية من البرلمان، والتى تصدرتها القوى الثورية قبل أشهر عندما كان جوهرها انتزاع السيادة من غير المنتخبين، الذين قاوموا هذا التوجه، وشاركهم وقتئذ الإسلاميون تجنبا للصدام، ثم اكتسبت المعركة أهمية مع فشل محاولات تقديم مرشح للرئاسة تتوافق عليه هذه القوى (بالأساس بسبب وجود مرشحين إسلاميين من خارج التنظيمات الإسلامية الرئيسة وأبعد منها عن المحافظة السياسية يضغطون على قواعدها)، فصار الصراع على الحكومة أداة صغط تستخدم فى التفاوض حول ملفات السيادة، وأما القوى الثورية وبعض القوى الإصلاحية فظلت على موقفها من دعم انتقال السيادة لحكومة منتخبة، بيد أنها أعادت ترتيب أولوياتها بحيث لم تعد تلك المعركة تتصدرها، لأنها لم تعد تمثل حجرا رئيسا فى معركة السيادة، خاصة مع حدة الشد والجذب على صعيدى الرئاسة والدستور.

 

آخر المعارك التهديد بحل البرلمان ووقف انتخابات الرئاسة، وهو ما تستخدمه قوى الدولة العميقة للضغط على خصومها الإسلاميين فى مفاوضات انتقال السيادة، ويشاركهم الرأى بعض مرشحيهم الرئاسيين الذين يرون فى حل البرلمان مخرجا من أزمة الخلاف بين البرمان المنتخب والحكومة غير المنتخبة (وفى ذلك إشارة لموقفهم من مستقر السيادة)، وثمة أطراف أحبطوا من أداء البرلمان فصاروا مستعدة للقبول بحله، بيد أن الحل لا يخدم مصالح العسكريين لأنه سيدفع بالإصلاحيين والمحافظين لمواقف ثورية لغياب البدائل.

 

ومع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية وتنوع أشكال المعارك بين المواجهات والمظاهرات فى الشارع، والصراعات البرلمانية، والأحكام القضائية ذات الطبائع السياسية، فإن كل طرف من هذه الأطراف يحاول تحريك الجماهير لمشروعه، فقوى الدولة العميقة تريد تشكيك المصريين فى قدرة القوى السياسية مجتمعية على التعامل مع المشكلات الأمنية والاقتصادية لتبدو وكأنها الخيار الوحيد، والقوى المحافظة تريد ضغطا محدودا فى الشارع يكفى لضمان إتمام الانتخابات، والإصلاحيون يزيدون على ذلك بمحاولة نقل السيادة للجهات المنتخبة، مع الخوف من أن تفوق قوة الشارع المؤسسات المنتخبة فتتغير المعادلة السياسية لصالح القوى الثورية، وهذه الأخيرة تريد إعادة هيكلة المؤسسات بحيث تستقر السيادة حقيقة عند جمهور الناخبين، لا بالتصويت فى الانتخابات النزيهة فحسب، وإنما بالمشاركة فى صناعة السياسات والمراقبة والمحاسبة المستمرة للساسة.

 

إن معركة انتقال السيادة للشعب لن تنتهى بانتهاء المرحلة الانتقالية، بيد أن حسن إدارة ما تبقى من هذه المرحلة من شأنه فتح آفاق أوسع لتمكين المواطنين من القرار السياسى، وإنهاء السياسة النخبوية التى يكون الصراع على القرار فيها بين المنتخبين وغيرهم مع اتفاق الطرفين على بقائه بعيدا عن الشعب.

التعليقات