أى نموذج تنموى يدور فى ذهن الإخوان؟ - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أى نموذج تنموى يدور فى ذهن الإخوان؟

نشر فى : الجمعة 10 أغسطس 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 أغسطس 2012 - 9:15 ص

قد لا يملك الإخوان رؤية واضحة حول نموذج مغاير للتنمية فى مصر بعد الثورة. ولكن مما لا شك فيه أن ثمة تصورا يدور فى خلد القيادات حول مستقبل السياسات العامة فى مصر. وتشى برامج حزب الحرية والعدالة والرئيس محمد مرسى ومشروع النهضة والتشريعات التى صدرت عن البرلمان قصير العمر أنها تدور حول استمرار سياسات مبارك بدون فساد نظامه.

 

•••

 

تقوم رؤية الإخوان على تحالف يجمع بين الدولة ورأس المال الكبير مع إسناد دور للاستثمارات الأجنبية فى مجالات شتى حتى تعوض انخفاض معدلات الادخار القومى. وهى الإستراتيجية المتبعة فى العديد من الدول النامية التى لا تملك من الموارد ما يفى بحاجاتها لتراكم رأس المال. وقد تجلت نوايا ربط الدولة برأس المال الكبير ــ بزعامة كبار رجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان ــ فى إطلاق جمعية «ابدأ» لرجال الأعمال التى يرأسها حسن مالك شريك خيرت الشاطر، الرجل القوى بالتنظيم. ويظهر بجلاء من خطاب القائمين على الجمعية أنها لا تمثل مصالح رجال الأعمال كغيرها من الجمعيات. وإنما هى نوع ما من الذراع الاقتصادية للحزب الحاكم. فرؤية الجمعية هى «أن تكون جمعية رجال الأعمال الرائدة فى مصر، لدفع عجلة الاقتصاد من أجل مستوى معيشة أفضل».

 

وبالمتابعة لخطاب القيادات بحزب الحرية والعدالة نجد أن تصورهم عن نموذج التنمية فى مصر ما بعد الثورة ينطلق من أن الإشكال كان فساد نظام الحكم على نحو قصر خيرات البلاد على قلة قليلة من محاسيبه وحرم الغالبية من ثمار النمو. ومن هنا يأتى الحديث عن أن الإتيان بفاعلين جدد بعد الثورة يمتازون بالأمانة والإخلاص والتحلى بروح المسئولية كفيل بتحقيق التنمية والرخاء لأكثرية المصريين.

 

•••

 

إن التصور السائد هو لاقتصاد منفتح على العالم يمنح مساحات متزايدة للقطاع الخاص ــ ما يعنى أن ثمة احتمالا وربما نية لمزيد من الخصخصة للشركات وربما المرافق العامة خاصة مع تصاعد أزمة الدولة المالية ــ. ويضاف إلى ذلك بالطبع أن رجال أعمال الإخوان سيشجعون هذا المسار لخلق فرص لهم للاستثمار. ومن المفترض أن الغرض هو توليد معدلات نمو مرتفعة تنعكس على مستويات المعيشة العامة وعلى خلق فرص عمل للشباب بما يخفض من معدلات البطالة دون الحاجة للتوظيف الحكومى. وثمة بالطبع دور يلعبه القطاع الخاص لمكافحة الفقر من خلال الزكاة والصدقات.

 

بيد أن مثل هذا التصور يتناقض بالكلية مع الوعود التوزيعية الواردة فى برنامجى الرئيس مرسى وحزب الحرية والعدالة، واللذين يتحدثان عن دور واسع للدولة فى وضع حد أدنى للأجور وزيادة المعاشات وإنشاء تأمين صحى شامل لكل المصريين وإقامة صندوق لإعانة البطالة. إن تشجيع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال يفترض عمالة رخيصة لا تتمتع بأى قدر من الحماية الرسمية أو قدرة على التفاوض الجماعى. كما أن نمو القطاع الخاص والتحالف مع رأس المال الكبير سيفترض بلا شك التضييق على الحق فى الإضراب وعلى الحريات النقابية على النحو الذى ظهر بالفعل من الإخوان بالبرلمان، وفى أروقة كتابة الدستور. ويضاف إلى هذا أن جذب الاستثمارات وإتاحة المجال للقطاع الخاص سيعنى خفض معدلات الضرائب على الأرباح الرأسمالية وعلى الشركات، والاستمرار فى تقديم الحوافز والإعفاءات لرأس المال بل والدعم.

 

•••

 

تشى هذه الملامح بمشروع لا يختلف فى جوهره كثيرا عن مشروع جمال مبارك مع التعويل على قدرة الإخوان أقدر على إنفاذ المشروع من حيث تمتعهم بالشرعية الانتخابية عبر آليات ديمقراطية سليمة ونزيهة مما يجعلهم أكثر قدرة على اتخاذ الإجراءات الضرورية لإتمام مثل هذه التحولات الجسيمة، والتى تعتبر آخر رصاصة تطلق على بقايا الدولة الناصرية بأبويتها التى لا تزال تمثل أساس الشرعية لدى العديدين من أبناء الطبقة الوسطى التقليدية وفقراء المدن والريف.

 

فهل ثمة إمكانية لهذا بعد الثورة؟ الإجابة فى تصورى هى بالنفى. إذ إنه من الصعوبة بمكان أن ينجح الإخوان فى إقامة تحالف اجتماعى/انتخابى على الأسس الاقتصادية المحافظة التى تأملتها مجموعة جمال مبارك من قبل، حتى ولو كانت القوة القائمة على المشروع منتخبة وذات شرعية شعبية.

 

سيكون من العسير للغاية استبعاد الطبقات الوسطى والدنيا والعمال من الحصول على ثمرات مباشرة للنمو بعد الثورة وبعد التحول الديمقراطى بالمضى قدما فى نفس المشروع الذى أرست حكومة نظيف دعائمه. وسيكون صعبا الاستمرار فى مساواة التنمية بتحقيق معدلات نمو مرتفعة دون إحداث تغيير يذكر فى هيكل العلاقات الاقتصادية السائدة. وذلك لأن السنوات الماضية قد أثبتت أن الاقتصاد المصرى لم يكن يعانى من مشكلات توليد فرص عمل بقدر ما كان التحدى الحقيقى هو خلق فرص عمل مرتفعة الإنتاجية وبأجور مقبولة. فنجد أن النسبة الكبرى من الوظائف قد نشأت فى القطاع غير الرسمى بإنتاجية محدودة ومن ثم بأجر متدن علاوة على افتقاد الأمان الوظيفى. ومن ثم فاستعادة قدرة الاقتصاد على النمو بمعدلات مرتفعة لن يحل المشكلة الاجتماعية شيئا لفئات عريضة من المتعلمين تعليما متوسطا وجامعيا ولا يجدون وظائف لائقة فى القطاع الرسمى من الاقتصاد سواء من حيث الأجور أو الأمان الوظيفى.

 

•••

 

وقد اكتسبت الأزمة الاجتماعية المذكورة بعدا سياسيا بخروج الاحتجاج الاقتصادى والاجتماعى إلى المجال العام فى السنوات الأخيرة التى مهدت للثورة. ومن المنتظر أن يستمر الاحتجاج أو يشتد خاصة مع انهيار الدولة الأمنية والصعوبات التى تكتنف العودة للقمع لضبط المجال العام. ومن هنا سيكون على أية حكومة منتخبة جديدة التعايش مع الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات من ناحية، والتى تحمل فى مجملها مطالب اقتصادية واجتماعية تضع على الدولة عبئا ماليا متزايدا. وسيكون عليها كذلك التعايش مع مخاطر خسارة التأييد العام فى الانتخابات التالية من ناحية أخرى.

 

 

التعليقات