السعودية وبناء نظام إقليمى جديد - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السعودية وبناء نظام إقليمى جديد

نشر فى : الجمعة 10 أكتوبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 أكتوبر 2014 - 8:30 ص

لا يمكن إنكار أن مركز اتخاذ القرار العربى صار يمر أولا من المملكة السعودية ثم يتحول إلى مواقف وسياسات تنتهجها بقية الدول العربية خاصة عقب اندلاع ثورات الربيع العربى، حيث لم تعد السعودية تعتبر نفسها مسئولة عن منطقة الخليج فحسب بل عن المنطقة العربية بشكل عام. وتجسدت المواجهة فى خطرين أساسيين يمثلان للسعودية التحدى الذى يجب استيعابه والتعامل معه بكل الاستراتيجيات الممكنة، الخطر الأول هو الخطر الإيرانى بمساحات النفوذ الشيعية ومناطق المواجهة السنية ــ الشيعية المباشرة مثل اليمن والبحرين والعراق، والخطر الثانى هو الإسلام السياسى وعلى رأسه تتربع جماعة الإخوان التى كان إقصاؤها عن الحكم فى مصر مبعث اطمئنان للإدارة السعودية التى لم تتفاءل ولم تتحمس للثورات العربية وتعاملت معها بمنتهى القلق والتحفز. وزادت حالة الاستهجان تجاهها عقب وصول الإخوان لسدة الحكم فى مصر وتمدد نفوذهم فى بلدان عربية أخرى.

المملكة السعودية تتعامل مع النموذج الإخوانى مثل تعاملها مع الخطر الإيرانى، بل أحيانا ترى أن خطر المشروع الإخوانى يجب مواجهته قبل الخطر الشيعى الإيرانى. ولعل صمت النظام السعودى الغريب عن سقوط صنعاء فى يد الحوثيين بهذه السهولة دلالة جازمة على رغبة المملكة فى إضعاف وإنهاء النفوذ الاخوانى باليمن المتمثل فى آل الاحمر بامتدادتهم داخل الجيش اليمنى ومؤسسات الدولة. وإذا قارنت بين التدخل السعودى السابق فى البحرين لتمكين النظام السنى ومساندته ستدرك الفارق بين المشهدين.

•••

يرى البعض أن النظام السعودى يلعب بالنار فى إدارة الملفات العربية المختلفة وأهمها الملف السورى والعراقى الذى أفرز ظاهرة ( داعش ) التى صارت خطرا حقيقيا يتهدد الجميع وعلى امتداده المشهد الليبى لكن الحقيقة أنه لا يمكن تحميل المملكة السعودية وحدها مسئولية المشهد الراهن فى سوريا والعراق وليبيا فقد كانت هناك أطراف إقليمية أخرى مثل تركيا وقطر والامارات يلعبون أدوارا غاية فى الخطورة فى نفس الملفات بالتوازى مع الدور الدولى لأمريكا وحلفائها الغربيين الذين يدل تعاملهم الحالى والماضى مع نظام بشار الأسد ونظام المالكى بالعراق كمثال للعبث بالمنطقة وتأجيج الصراع والإبقاء عليه بلا حسم ثم الظهور مرة أخرى فى مشهد المخلص الذى سيتقدم لإنقاذ المنطقة من الارهاب بعد أن تتحمل الأنظمة العربية الفاتورة.

ثلاث سنوات ونظام بشار يقتل عشرات الآلاف من السوريين أمام مرأى أمريكا وبصر العالم لكنهم لم يتحركوا إلا الآن، ليس لإسقاط نظام بشار ووقف المجازر ضد شعبه بل ضد داعش فقط أحد أخطر المجموعات التكفيرية التى تقتل فى الجميع باسم الدين. زلزال داعش حفز أمريكا على بناء حشد وتحالف دولى تحركاته حتى الآن غير مفهومة وموقفه مما يحدث فى مدينة عين العرب ( كوبانى ) السورية الكردية الواقعة على الحدود التركية، وتحركه البطيء لإيقاف الغزو الداعشى يثير كثيرا من علامات الاستفهام حول الرغبة فى توريط تركيا فى حرب برية لا تريد أنقرة خوضها قبل أن تضمن أن نتائج الحرب التى ستشارك فيها حيث تريد إسقاط بشار وضمان مساحات نفوذها فى سوريا الجديدة.

كل هذا ينعكس على الموقف السعودى الذى يحاول الآن إعادة بناء النظام العربى المتآكل منذ غزو الكويت. المشكلة أن النظام السعودى يعتقد أنه يمكنه بناء النظام الإقليمى الجديد بنفس المرتكزات السابقة التى أدت لانهيار هذا النظام واندلاع موجات ثورية فى عدد من أهم بلدانه، خمسة مرتكزات واهية يجب الإشارة إليها لأنها ستكون كافية لسقوط أى نظام إقليمى عربى جديد، أولا: توهم أن موجات المد الثورى قد انحسرت للأبد بعد تعثر ثورات الربيع العربى وإجهاض بعضها، ثانيا: المبالغة فى قمع وحصار وشيطنة مشروع الإسلام السياسى المعتدل نسبيا والذى سيكون بديله مشاريع أكثر راديكالية وعنفا واستعدادا للتكفير وممارسة القتل، ثالثا: الاعتماد فقط على فزاعة الخطر الشيعى والإرهاب وأحاديث المؤامرات الخارجية دون تنمية الانتماء الداخلى لدى الشعوب وترسيخ ثقتها فى أنظمتها الحاكمة، رابعا: عدم إدراك المتغير الجيلى الشبابى الذى يضرب المنطقة العربية بعنف ويدق أبواب التغيير، خامسا: التعامل مع داعش كمجرد تنظيم ينتهى بالقضاء عليه عسكريا وليس فكر يتمدد وينتشر ويكتسب مزيدا من المؤيدين.

•••

إذا كان النظام السعودى يريد إنقاذ العرب وبناء نظام عربى جديد متماسك فأولى الخطوات أن يدرك أن التماسك الداخلى وإصلاح البيت من الداخل هو الأولوية القصوى التى تقوم عليها كل الأسس التالية. لذلك فدعم الديمقراطية وتطوير نظم الحكم بالمنطقة لم يعد خيارا يمكن تفاديه أو تأجيله، بل إن دعم أنظمة استبدادية يعجل بموجة جديدة من الانفجار الإقليمى لن يمكن السيطرة عليها واستيعابها مثل موجات الربيع العربى السابق، أما الخطوة الثانية فتجديد الخطاب الدينى ليغلق الباب أمام موجات تكفيرية قادمة أشد عنفا وخطرا عبر تفكيك هذا الخطاب الذى يعتمد فى أغلب حيثياته على موروثات متشددة منغلقة تسىء فهم الدين، والخطوة الثالثة احترام عقلية جيل الشباب العربى الذى لن يدخل بيت الطاعة لأى سلطة سياسية أو دينية أو روحية.

هل تنجح السعودية فيما فشل فيه غيرها؟ هل نرى خطوات غير تقليدية وجريئة تمهد لبناء نظام عربى قوى؟ هل نعيد إنتاج الماضى ونحصد نفس علقمه ومرارته؟ الأيام كاشفة.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات