تهافت المواقف الدولية تجاه ثورة يونيو - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 12:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تهافت المواقف الدولية تجاه ثورة يونيو

نشر فى : الخميس 11 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 يوليه 2013 - 11:07 ص

يا إلهى! كم من الملايين مطلوب خروجهم إلى الشارع فى ظل إرادة موحدة وإطار سلمى كى نعتبر الأمر ثورة. عندما رأيت مشاهد المظاهرات يوم 30 يونيو والتى قُدر عدد المشاركين فيها بسبعة عشر مليونا فى كل أرجاء مصر بما يعطيها شعبية شاملة.

 

أصابنى الانبهار بقدرة الشعب المصرى على الإبداع فى وسائله النضالية، ولنتذكر أن هذا الإبداع قد بدأ قبل ثورة يناير، وتكفى الإشارة إلى حركة «كفاية» وأبطالها المؤسسين، وإلى نضالها ضد النظام فى أصعب الظروف، وفى مصر وبعد اتضاح فاشية «الإخوان المسلمين» ناهيك عن انعدام كفاءتهم فى الحكم مما عرض البلاد لأزمات فى أمس الأمور الحياتية اليومية الضرورية بادر نفر من شباب مصر بتأسيس حركة «تمرد»، مستردين بهذا زمام المبادرة بيد الشباب بعد أن استولت عليه قوى محافظة انفردت بالحكم وكذلك قوى المعارضة التقليدية، ومستعيدين وحدتهم التى فقدوها بعد ثورة يناير.

 

كانت فكرة الحركة تستند إلى مبدأ «الديمقراطية المباشرة» بمعنى أن من انتخب رئيسا من حقه أن يسحب الثقة منه بعد أن ثبت عدم كفاءته، فضلا عن فاشية التنظيم الذى ينتمى إليه، وكان الهدف أن يتجاوز عدد الموقعين على سحب الثقة عدد الأصوات التى حصل عليها فى الانتخابات وهو ما يزيد على عشرة ملايين صوت بقليل فإذا بالحركة تفاجئنا عشية مظاهرات 30 يونيو بأن العدد وصل إلى 22 مليونا، وقال البعض حينها إنه ليس كل من وقع على سحب الثقة سيشارك فى المظاهرات فإذا بعدد الموقعين الذى نزل إلى الشارع يوم 30 يونيو تقترب نسبته من 75% وهى نسبة مشاركة عالية للغاية، وتعكس الشعور «بالاقتدار السياسى» وهو هنا خلع رئيس الجمهورية.

 

من هنا كان انبهارى بما رأيت، وبقدر الانبهار أصابنى الإحباط من رد فعل معظم القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الذى لم ير فى الثورة سوى انقلاب عسكرى بغض النظر عن الإرادة الشعبية الغلابة.

 

●●●

 

ربما يرجع هذا إلى «ديمقراطية الصناديق» المستقرة لديهم، مع خلوها من أى تنويع حقيقى، ولذلك ليس ثمة مبرر للخروج على «ديمقراطية الصناديق»، وربما يرجع إلى اتفاق مصالح بين الإدارة الأمريكية و«الإخوان المسلمين»، كما يرى البعض الذى يذهب تحديدا إلى أن ثمة اتفاقا بينهما على اقتطاع جزء من سيناء للفلسطينيين كى يكون الحديث عن دولة لهم تمتد من القطاع بحدوده الحالية لتصل إلى سيناء ممكنا، وبالتالى تسوى القضية على حساب مصر. ولهذا تغاضت الإدارة الأمريكية عن ممارسات «الإخوان» الفاشية داخل مصر وعن علاقتهم بالإرهاب فى سيناء، وقد كانت موضع شك إلى أن حسمها محمد البلتاجى القيادى بحزب «الحرية والعدالة» بتعليقه على تصاعد العمليات الإرهابية فى سيناء قائلا إن الإفراج عن الرئيس السابق وعودة الأمور إلى ما كانت عليه سوف يؤدى إلى وقف أعمال الإرهاب فورا، وهكذا كشف «المستور» وسقط قناع الديمقراطية والتسامح الدينى إلى الأبد، لكن هذا كله يهون فى سبيل المصالح الأمريكية على حساب حقوق الشعب المصرى وحرياته، والتعامل قليلا فى تفاصيل موقف الإدارة الأمريكية.

 

أصدر الرئيس أوباما بيانا عقب أحداث ثورة 30 يونيو وما تلاها من تغييرات وصفها بالانقلاب العسكرى وقال البيان إن الولايات المتحدة منذ اندلاع الثورة المصرية (يقصد ثورة يناير بطبيعة الحال) تدعم مجموعة من المبادئ الأساسية من ضمنها رفض العنف وحماية حقوق الإنسان، وأن الولايات المتحدة تعتبر أن مستقبل مصر لا يقرره إلا الشعب المصرى ثم أضاف ما نصه: «نشعر بقلق عميق تجاه قرار القوات المسلحة المصرية عزل الرئيس مرسى، وأننى أناشد الآن المؤسسة العسكرية والمصريين أن تتصرف على وجه السرعة وبمسئولية كاملة لإعادة كامل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطية فى أقرب فرصة ممكنة.. وعلى ضوء تطورات اليوم فقد وجهت الوزارات والوكالات الحكومية الأمريكية بمراجعة التداعيات بموجب القانون الأمريكى فيما يتعلق بمساعدتنا لحكومة مصر». وثمة ملاحظتان مهمتان على هذا الموقف، وأولهما أن الإدارة الأمريكية تناقض نفسها باعتبار ما حدث فى يناير ثورة ورفض امتداد هذا الوصف إلى ثورة 30 يونيو مع أن العمليتين لهما طبيعة واحدة. أما الملاحظة الثانية فتشير إلى التلويح السخيف بسلاح المساعدات. لكن بيان الكونجرس الأمريكى صحح الصورة بالنص صراحة على أن ما تجاهل الإخوان فهمه هو أن الديمقراطية تعنى أكثر من مجرد إجراء الانتخابات. فالديمقراطية الحقيقية تتطلب الاحتواء والمواءمة واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات والالتزام بسيادة القانون، وذكر البيان أن الأمر متروك للجيش المصرى لإثبات أن الحكومة الانتقالية الجديدة قادرة على إعادة الديمقراطية.

 

●●●

 

وعلى هدى من سياسة الإدارة الأمريكية سار معظم الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى بل والأمم المتحدة. أما تركيا فكان موقفها شديد التطرف تجاه ما حدث فى مصر، ويبدو أن الاعتبار الأساس فى هذا الصدد هو خشية التأثير الإيجابى لما حدث فى مصر على المعارضة العلمانية للمشروع الإسلامى فى تركيا. أما الدول العربية التى عانت معاناة حقيقية من تدخل «الإخوان» فى شئونها الداخلية وكذلك الشعوب التى عانت من حكمهم وعلى رأسها الشعب التونسى فقد استقبلت تطورات ثورة يونيو بالابتهاج والتأييد الكاملين.

 

ومن الحقيقى أن المواقف السابقة تطورت لاحقا إلى الأفضل، غير أنه من الحيوى أن تتبنى الولايات المتحدة فهما سليما لثورة يونيو وكل ما يشبهها من تطورات وإلا خاطرت بفقدان التأييد الشعبى لسياساتها فى أماكن ذات أهمية فائقة بالنسبة لمصالحها.

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية