سيولة الدولة .. وشراسة الحكومة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيولة الدولة .. وشراسة الحكومة

نشر فى : الجمعة 11 أكتوبر 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 أكتوبر 2013 - 9:00 ص

أقصد بسيولة الدولة.. أن المصالح الرئيسة للمواطنين قد وقعت فريسة فى يد «الحكومات» رغم أن الحكومة هيئة مؤقتة لا يحق لها إدارة الثوابت، فقد ظهرت فكرة الدولة منذ القرن الـ16 فى كتابات: ميكيافيللى ــ هوبز ــ هيجل ــ ماركس... الخ «كأكثر النماذج السياسية» بريقا رغم الضباب الكثيف المحيط بالمصطلح. حيث تعددت مفاهيم الدولة، إذ يراها البعض: حكومة تحكم شئون البلاد، يجعلها غيرهم سلطة تتحكم فى حقوق المواطنين بدعوى تنظيمها، وفريق ثالث يعتبرها: «نظاما قانونيا مطاطا» يتسع لكل ما يطمع فيه من مقادير الوطن والمواطنين، ورابع يقرر أن الدولة ما هى إلا فئة متحكمة أو طبقة فوق الطبقات.

وفى مجتمعنا العربى تزداد «الهلامية» و«الضبابية» حول «الدولة» والمتولى أمرها فتراه تارة «واليا» قد ولاه الله، وتارة «سلطانا» صاحب سلطة، كما يراه البعض «إماما» يجب متابعته والتزامه «كإمام الصلاة»!! وتلك كلها ممارسات أقرب إلى روح البداوة والقبلية، وأبعد كثيرا عن التصور الإسلامى الصحيح.

(2)

فالدولة ــ طبقا لمقاصد الشريعة ــ تتأسس على قيم (الكرامة الإنسانية / العدل/ الحرية/ الشورى الشفافة الملزمة/ المساواة) ويتفرع من هذه القيم عشرة مبادئ هى :

(السماحة ــ المواطنة ــ التداول السلمى ــ الانتخاب ــ النزاهة ــ الشفافية ــ المصارحة ــ المصالحة ــ التوافق ــ الإعمار).

وينشئ دولتهم لتحقيق مقصدين هما :

1ــ إنشاء وتأسيس ثوابت المجتمع ومؤسساته (مؤسسات ثابتة)

2ـ إدارة الإعمار والتنمية لمصلحة المواطنين والوطن. (مؤسسات متغيرة وتابعة)

فالدولة «وكيل عام» عن المواطنين فى إدارة «ثوابت المجتمع» التى يضطر إليها الجميع فيجب إدارتها «بحرفية علمية وفنية محايدة»، بعيدا عن التنافس الحزبى.. وتضم الدولة المؤسسات الثمانى الآتية:

(الدستورية ــ التخطيط ــ التشريع ــ القضاء ــ المتابعة ـ الشئون الروحية ــ الدفاع ــ رياسة الدولة)

وتتولى مؤسسات الدولة الوظائف التالية:

تحقيق العدل ــ تدبير (تخطيط) ــ تحقيق الأمن ــ رعاية الدعوة الدينية ــ التشريع ــ المتابعة والرقابة ــ إدارة علاقات الوطن مع دول العالم ومنظماته.

وهى وظائف لا يجوز فيها تنافس بل بحاجة إلى تراض واستقرار.

وهذا ما يجعلنا نتصور أن الدولة تقوم بدور «الوكيل النائب» عن جميع المواطنين لإنجاز الوظائف الحيوية التى يتوقف عليها استقرار الحياة واستمرارها، مثل «الوكيل عن اصحاب حق الملكية».

وتستند مؤسسات الدولة على مبدأ «الديمقراطية الرشيدة» التى تقوم على (العلم/ الخبرة/ الأسبقية/ الانتخاب) وأقرب شبه لها حاليا هو تكوين محكمة النقض إذا أضفنا إليها اشتراط انتخاب رياسة المحكمة مع قصر الترشيح على الدفعة الأسبق، وفتح باب التصويت لجميع الأعضاء.

والدولة كما وصفناها مستوى تنظيمى يعلو مستوى الحكومة، حيث إن مفاصل المجتمع الرئيسة مثل القضاء والتشريع والرقابة والدفاع والشئون الدينية لابد وأن تبقى بعيدة عن التنافس الحزبى وتبقى دائما متداولة بين «التكنوقراط» المتخصصين علميا ومهنيا، بانتمائهم الوحيد للوطن وللتخصص العلمى.

(3)

أما الحكومة فهى كيان متغير متداول شعبيا يتولى تحقيق الوظائف التالية:

1ــ تحقيق أعلى إنتاجية متاحة

2ــ كفاية حيويات وضرورات المواطنين

3ــ تجديد بنية المجتمع وصيانة موارده.

وكلها وظائف تؤتى أكلها من خلال التنافس السياسى الحزبى بين البرامج المختلفة. فالحكومة وإن كانت تمثل حزب الأغلبية الفائز فى الانتخابات العامة إلا أنها تتولى خدمة جميع المواطنين طبقا لبرنامج حزبها الحائز على ثقة البرلمان، وهذا ما يبرر التنافس السياسى بين الأحزاب، فالحكومة تتولى تشكيل الحقائب الوزارية فى مجالات العمل والإنتاج والمرافق من صحة وتعليم وإسكان وشئون الاقتصاد، مع عدم إقدامها على أى تدخل فى شئون المؤسسات الثمانية السابق الإشارة إليها فى الحديث عن الدولة.

(4)

وقد جعلت عنوان المقال «شراسة الحكومة» نظرا لما نشاهده كثيرا من قيام الحكومات الحزبية الممثلة لفكر الأغلبية بافتراس مفاصل الدولة والعبث بها «إحلالا وتجديدا» الأمر الذى يخيف الآخرين فتتكاثر الأزمات كما نشاهده الآن فى مصرنا وغيرها.

وقد يستغرب كثير منا هذا الطرح لضرورة الفصل الحاد بين الدولة والحكومة، حرصا على شيوع السماحة وتقبل المواطنين لممارسات الأغلبية حيث لا تؤثر على ثوابت المصالح، فليس من المعقول أن ينفرد فريق سياسى بشئون التشريع والقضاء والدفاع والدعوة الدينية والرقابة، فالناس يتقبلون التنافس والجدل بشأن المتغيرات لا الثوابت

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات